بدأت ادارة الرئيس الاميركي ​دونالد ترامب​ مهامها الفعلية واثارت الضجة المتوقعة منذ يومها الاول. وتركزت الانظار كلها على ​روسيا​ كونها القريبة من الادارة الحالية ويبدو ان ما تعيشه اميركا في علاقتها مع العالم هو وضع معاكس تماماً لما عاشته منذ فترة خلال ولاية الرئيس الاميركي السابق باراك اوباما. الوضع الاميركي اليوم في المنطقة هو التالي: انفتاح اميركي على اسرائيل فيما ادارة اوباما كانت اقل انفتاحاً -ولو ان الامر لم يصل الى حد الخلاف او الوقوف في وجه المسؤولين الاسرائيليين- الا انه تم التمسك سابقاً بأمرين اساسيين هما عدم نقل السفارة الاميركية الى القدس، ومعارضة اعلاميّة علنيّة لسياسة الاستيطان حدّت من جماح اسرائيل في هذا السياق، حيث اعتمدت تل ابيب سياسة "القضم" الاستيطاني بدلاً من سياسة "الغزو الاستيطاني" المتّبعة حالياً. اما على الخط ال​ايران​ي، فانفصلت اميركا بسياستها السابقة عن الاهداف الاسرائيلية، فيما سياسة "العم سام" اليوم تقوم على التقرّب من الرؤية الاسرائيلية بالنسبة الى طهران.

على الخط التركي، نجحت روسيا في تقريب وجهات النظر بين ترامب ونظيره التركي رجب طيب اردوغان، حيث لم يكن خفياً التباعد الذي كان سائداً في الفترة الاخيرة من ولاية اوباما مع انقرة التي "ارتمت" في احضان روسيا. ومنذ هذا التحول، وجدت انقرة انها عادت لاعباً اساسياً على الساحة الاقليمية وهو ما تجسد بالدور العسكري والسياسي الذي لعبته وتلعبه في سوريا، وبالدور المهم الذي قامت به في مفاوضات آستانة الاخيرة. لذلك، كانت موسكو بمثابة همزة الوصل بين تركيا واميركا واثمر هذا الامر تحولاً كبيراً في التعاطي بين البلدين.

على الجبهة الايرانية، الصورة ايضاً باتت مغايرة. وبعد الجهود التي بذلت لتوقيع الاتفاق النووي الذي ارسى قواعد جديدة في التعاطي مع ايران اقليمياً ودولياً، ضرب ترامب هذه الجهود عرض الحائط، وشن هجوماً على النظام الايراني مهدداً ومتوعداً. وسرعان ما وجدت روسيا نفسها معنيّة بالموضوع، ليس من باب العلاقات الدولية، إنّما من باب الوضع في منطقة الشرق الاوسط نظراً للنفوذ الايراني الكبير في المنطقة وفي اكثر من دولة، وتحديداً في سوريا، والدور الكبير لموسكو بعد ان ثبّتت رجليها في الشرق الاوسط. لذلك، وما ان تصاعد التوتر الكلامي بين البلدين، حتى أعربت روسيا عن رغبتها في التحرك للتقريب بينهما، وهو أمر نجحت به على الصعيد التركي-الاميركي، وتطمح الى ان تعاوده في الشق الايراني.

ولكن الوصول الى هذه الغاية دونه عقبات كبيرة، اهمها ان ترامب بنى خطابه على اعتبار ايران بمثابة تهديد أساسي للولايات المتحدة، وان الاتفاق النووي قوّض قدرة اميركا في المنطقة وفي التحرك ضد طهران على اكثر من صعيد. اضافة الى ذلك، يرى الرئيس الاميركي ان التعامل مع ايران بنوع من الحزم له فوائده بالنسبة الى كوريا الشمالية التي "أغرتها" التجربة الايرانية وقد تقرر السير بها للحصول على نفس الامتيازات والمعاملة التي لقيتها ايران. الا ان الوضع الايراني حسّاس، فليست روسيا فقط من يرى تأثيرها في المنطقة، بل ايضاً القارة الاوروبية التي فتحت ذراعيها لإيران فور التوصل الى الاتفاق النووي، وبدأت مرحلة جديدة من التعاطي معها، كما ان ما قامت به ايران على صعيد مكافحة المنظمات الارهابية جعلها موضع ترحيب من قبل الاوروبيين وروسيا بطبيعة الحال.

من هنا، لن يكون من السهل نجاح روسيا في وساطتها، ولكن قد يكون المخرج تأمين حد ادنى من التعاطي بين البلدين، قبل حصول تغييرات جذرية في اوروبا على ابواب انتخابات تهدد بإرساء سياسات اوروبية جديدة في المنطقة والعالم، وتضع الجهود المبذولة في المنطقة في مرحلة من الخطر. وستلعب روسيا دون شك، ورقة النفوذ في المنطقة والدور الاميركي في هذا المجال، حيث سيكون من الاسهل جداً لاميركا التواجد عسكرياً وسياسياً وفق تقاسم النفوذ في ظل "تفاهم" مع ايران بدل "الخلاف" الذي من شأنه ان يعيد اشعال المنطقة ككل وادخالها مجدداً في دهاليز عسكرية وسياسية لن يعرف مدى الوقت الذي ستستغرقه للخروج منها.