عاد إسم رئيس الحكومة الأسبق ​نجيب ميقاتي​ بقوة لدائرة الضوء السياسي، عبر قانون انتخابي أعدّته حكومته ونام في الادراج طويلاً قبل الاستعانة به اليوم.

من ثار في "يوم الغضب" ضد تولي نجيب ميقاتي رئاسة الحكومة عام 2011، لم يكن يعرف أن التاريخ سيُنصف رئيس "العزم". أثبتت ممارسات رئيس الحكومة الأسبق يومها أنه لم يتنازل عن "ثوابت" لديه كموضوع المحكمة الدولية والحفاظ على صلاحيات رئاسة الحكومة وعدم استفزاز تيار "المستقبل"، ولم يسلّم البلد لفريق "8 آذار" ولا كان "دمية" بيد أحد، ولا نفذّ ما اراده "حزب الله". كل هذه الشعارات التي رُفعت ضد ميقاتي سقطت في فترة رئاسته الحكومة، لا بل كان التعامل معه بالنسبة الى قوى "8 آذار" أصعب من التعامل مع رئيس الحكومة سعد الحريري. هو لم يطح بمدير ولا حاجب وظّفه تيار "المستقبل"، حتى صار الموضوع آنذاك مادة تندّرٍ في الصالونات السياسية بأن ميقاتي "أبقى على أنصار الحريري في كل زوايا السراي".

مارس رئيس "العزم" على رأس الحكومة سياسة وطنية، لكنه حافظ على خصوصية سُنيّة واضحة، وعلى طرابلسيّة ظاهرة ترجمها ميقاتي في كل المراحل خلال وبعد ترؤسه الحكومة. أهل طرابلس لمسوا ذلك. بعضهم عبّر علناً عن ندمه أنه ثار يوماً على ميقاتي اعتراضاً. تسمع ذلك في التبانة والمنكوبين وأحياء الفيحاء التي ارتفعت فيها صُوره وتمددت بعد محاربته سياسياً واعلامياً.

انحيازه لطرابلس كان مأخذاً عليه من قِبل سياسيين طالبوا ميقاتي بالخروج من طرابلسيته الى مساحة أوسع. ردّ بدبلوماسية، لكنه أبقى الاولوية لانتمائه للشمال.

تأتي التطورات السياسية لتُنصف ميقاتي. مسار "المستقبل" السياسي جعل الناس تُعطي رئيس "العزم" حقّه في الاعتراف بدوره. البحث عن قانون انتخاب جديد الآن والرجوع الى مشروع حكومته يُنصفه. ما يعني ان ميقاتي كان منتجاً. لم تكن رئاسته للحكومة مجرد عبور بين مرحلتين، ولا وليدة نكاية أو ردة فعل. ثبّت الرجل دوره. هذا ما أظهرته الأيام للتاريخ. والاّ كيف يعود الحديث عن مشروعه لصيغة الانتخابات كمخرج للازمة؟

انفتاح الحريري على المكونات السياسية جميعها وسلوك درب الحوار مع "حزب الله"، وتبني ترشيح النائب سليمان فرنجية اولاً، ثم انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، وتشكيل حكومة وطنية جامعة، لقوى "8 آذار" فيها وزن ثقيل، ومد اليد الى الجميع من دون استثناء. كلها عناوين تُنصف ميقاتي الذي إتُهم يوماً بأنه أتى لرئاسة الحكومة لتنفيذ مشروع "حزب الله". لكن ما قدّمه ميقاتي لقوى "8 آذار" أقل بكثير مما فعله الحريري.

المستجدّات السياسيّة تُنصف ميقاتي، فهل يُنصفه الشعب؟

الانتخابات هي الامتحان. يبدو رئيس "العزم" مرتاحاً لأوضاعه في طرابلس. كل القوى بحاجة للتحالف معه. لا يستطيع تيار "المستقبل" كسر الوزير السابق اشرف ريفي من دون التحالف مع ميقاتي. ولا يستطيع ريفي تحقيق أي إنجاز او الوصول الى ساحة النجمة من دون قيادة ميقاتي.

سيختار رئيس "العزم" عرضاً انتخابياً يُكرّس فيه دوره. سيأخذ بالاعتبار خريطة التحالفات وشكل القانون. هل تكون المنية والضنية مع البدّاوي وطرابلس دائرة واحدة؟ هل تُعتمد المحافظة دائرة؟ هل تُقر النسبية؟ أم المختلط؟ كلها عوامل تُحدد طبيعة تحالفات ميقاتي مع غيره.

جملة مؤشرات تلوح: ميقاتي منفتح على القوى السياسية السُنية. يربطه حلف متين مع رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية. علاقته بالعلويين جيدة، مقابل سوء العلاقة بين أهالي جبل محسن والحريري أو العلويين وريفي.

معظم القيادات المحلية في الأحياء الشعبية في طرابلس صاروا يدينون بالولاء لميقاتي في الآونة الاخيرة. ترصد ذلك في كلام زعماء المحاور السابقين التائبين الذين يتحدثون في جلساتهم عن "خداعهم في السنوات الماضية من قبل خصوم ميقاتي". كل ذلك يعني ان مرشحي "العزم" مرتاحون في طرابلس. لكن ماذا في حال ضم أقضية أخرى الى دائرة واحدة تجمعهم بالفيحاء؟

في المنية يظهر الرقم الاول منفرداً كمال الخير، وفي الضنية جهاد الصمد، مقابل تشتت منافسيهم بين "المستقبل" أو متمولين. الخير نفسه تربطه علاقات قوية مع أهالي البدّاوي التي كانت تتبع للمنية قبل القرار الأخير بفصلها عنها. مجرد تكتيك ميقاتي مع خصوم "المستقبل" في الشمال سيسمح له بتأليف لائحة انتخابية ائتلافية وازنة.

سيكون هذه المرة وضع رئيس "العزم" أفضل من الأعوام الماضية. رغم ان ميقاتي يتحدث بتواضع عن حصد عدد النواب. معطيات الشمال السياسية والشعبية توحي بأن هناك مفاجآت تجعل الحريري مضطراً لدوزنة خياراته جيداً، بعكس السنوات الماضية التي كان فيها "المستقبل" اكثر ارتياحاً.