حمل خطاب أمين عام "حزب الله" السيّد حسن نصر الله في حفل تأبين عُضو المجلس المركزي في الحزب الشيخ حسين عبيد رسائل عدّة في أكثر من إتجاه. وفي قراءة سريعة لأبرز ما جاء في الخطاب، يُمكن تسجيل الملاحظات التالية:

عن ​قانون الإنتخابات​، كان لافتًا تحدّث السيّد نصر الله بإسم مجموعة واسعة من القوى السياسيّة، عندما أكّد أنّ "حزب الله" و"حركة أمل" وكل قوى "8 آذار" إضافة إلى "التيار الوطني الحُرّ" مع النسبيّة، مُنتقدًا بشدّة القانون الأكثري، الأمر الذي يُعطي فكرة عن حجم الكتل النيابية التي يُمكن أن تعطي أصواتها لقانون يعتمد صيغة التصويت النسبي في أي تصويت مُحتمل في المُستقبل، علمًا أنّ إقرار مُطلق أيّ قانون يحتاج نظريًا لأغلبيّة النوّاب الحاضرين بمجرّد إفتتاح أي جلسة تشريعيّة بأغلبيّة النصف زائد واحد من مجلس النوّاب اللبناني. لكن وبما أنّ إقرار قوانين الإنتخاب في لبنان يحتاج لأكثر من أغلبيّة عدديّة نيابيّة، حرص أمين عام "حزب الله" على إبقاء الباب مفتوحًا أمام المفاوضات، عندما أشار إلى الإنفتاح على أي إقتراح أو نقاش يُؤدّي إلى إنتخاب وفق قانون جديد، مُحاولاً طمأنة المُتخوّفين من الإلغاء، ومُحذّرًا في الوقت عينه من خطر الإستمرار في تضييع الوقت وعدم القيام بأي نقاش جدّي، الأمر الذي يعني عمليًا عدم حُصول أيّ تقدّم حتى هذه اللحظة في الملف الإنتخابي، وبقاء المواقف مُتباعدة بين القوى السياسيّة المُختلفة، خصوصًا وأنّ السيّد نصر الله تجاهل تمامًا حجّة "سلاح الحزب" التي رفعها "تيّار المُستقبل" في رفضه قانون النسبيّة، ولم يُقدّم أيّ تطمينات في هذا الصدد.

وبالنسبة إلى الوضع الأمني في البقاع، كان لافتًا حديث السيّد نصر الله عن "تسليط الضوء على أي حادثة تحصل في البقاع، مع أنه يحصل مثلها في غير منطقة" واعتباره الأمر مقصودًا "للإساءة إلى بيئة أهل البقاع"، لكنّه لم يُعط أيّ أمثلة عن جرائم قتل وخطف وسطو مُسلّح تنتهي بالإختباء في مناطق تعجز الدولة اللبنانية بدخولها بحريّة أو تتعرّض لإطلاق نار كثيف في حال دخولها! كما كان لافتًا مُوازنته بين دعوة أهل البقاع للتعاون مع الدولة، وتحمّل هذه الأخيرة مسؤوليّاتها "بشكل جدّي"–كما قال، و"أن يتعاطى الجيش والأجهزة الأمنيّة في معالجة الأمور في البقاع من ضُمن القانون"، في إعتراض على ما يبدو على بعض الإجراءات الأمنيّة المُشدّدة التي إتخذت إثر حادث خطف المواطن سعد ريشا الشهر الماضي، وفي تحذير مُسبق بالنسبة إلى ما يتردّد عن تحضيرات بعيدة عن الأضواء لتنفيذ عمليّات دهم واسعة في البقاع لمُعالجة الخروقات الأمنيّة المُتكرّرة. وطالب السيّد نصر الله بأن تُقرّر الدولة بموضوع العفو حيث يجب، وبالإنماء بموازاة الأمن، من دون أن يُقدّم خطة عمل لمُعالجة مسألة إرتفاع عدد مُذكرات التوقيف الغيابيّة للبنانيّين من قرى وبلدات البقاع إلى أكثر من 35,000 مُذكّرة!

وعمّا يُحكى عن إحتمال فرض ضرائب جديدة من قبل الدولة، كان رفض السيّد نصر الله حازمًا برفض أيّ ضرائب على الفقراء، مُصنًفًا أغلبيّة الشعب في هذه الخانة، من دون أن يُقدّم أي بدائل عملانيّة لتأمين التمويل سوى الدعوة إلى وقف الهدر والفساد والسمسرة وما وصفه بمشاريع "طلعة ريحتها"، الأمر الذي يزيد عملانيًا من صُعوبة إقرار أي مشاريع أو تعديل أي رواتب في المُستقبل القريب، نتيجة تصاعد الجهات الرافضة لأيّ تمويل عبر الضرائب على الفئات الشعبيّة، بالتزامن مع غياب أيّ معالجة جدّية للسرقات والهدر حيث أنّ عدد المُنضمّين الجُدد إلى مالكي القُصور من مسؤولي الدولة وحاشياتهم في تزايد مُستمرّ!

وفي ما خصّ الوضع في سوريا، كرّر السيّد نصر الله مواقف نظريّة سابقة للحزب عن تأييد أي وقف للنار يُعطي فرصة للحلول السياسيّة وعن دعم المُصالحات، وجدّد إتهاماته لدول الخليج بدعم بعض الفصائل المُسلّحة التي ترفض وقف القتال، وتمثّل الجديد في إبداء إستعداد "الحزب" للمُساعدة مباشرة في ملف عودة النازحين السوريّين من لبنان إلى سوريا، وفي دعوته الحكومة اللبنانيّة إلى الخروج ممّا وصفه "المُكابرة" ومُطالبته بالتحدّث إلى الحكومة السورية بشأن ملف النازحين، الأمر الذي يقطع الطريق مُسبقًا على أيّ مُحاولة لبنانية للتعامل مع هذا الملف بشكل فردي أو عن طريق ما يُحكى عن تحضيرات لمناطق آمنة في الداخل السوري، ويدعو ضُمنيًا إلى إعادة العلاقات اللبنانية-السورية الرسميّة إلى سابق عهدها، ولوّ من باب ملفّ عودة النازحين.

وعن إنتخاب دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة الأميركيّة، شنّ أمين عام "حزب الله"-وبحدّية عالية في نبرة الخُطاب وبعبارات تحدٍّ أيضًا، هُجومًا لاذعًا على الإدارة الأميركيّة وعلى الرئيس ترامب شخصيًا، مُتلاقيًا بذلك مع الحملة السياسيّة-الإعلاميّة التي تُنفّذها إيران ضُد أميركا ورئيسها المُنتخب، بعد عودة التوتّر إلى العلاقات الثنائية بين واشنطن وطهران، الأمر الذي يُؤشّر إلى عودة مرحلة "شد الحبال" الأميركي-الإيراني من جديد، ويفتح كل الإحتمالات علىى مصراعيها بين الطرفين.

في الختام، يُمكن القول إنّ خطاب السيّد نصر الله الأخير تضمّن رسائل حازمة عدّة في غير إتجاه، لكنّ غياب الطروحات البديلة العملانية بالنسبة إلى أغلبيّة المواضيع المطروحة، وفي طليعتها الملفّ الإنتخابي، يُؤشّر إلى إقبال لبنان على مرحلة صعبة وغير هادئة في المُستقبل القريب.