بعد مرور مئة يوم على تسلمه السلطة كرئيس للجمهورية، كان العماد ميشال عون يتمتع بشبه اجماع من القوى السياسية حول افكاره ورؤيته، ولو حصل اختلاف حول موقفه من قانون الانتخاب الجديد. ولكن، الاحتكاك الاول كان عند اطلاقه اول موقف رسمي له من سلاح حزب الله، فانقسمت الآراء وبدأ البعض يعدّ العدة لمهاجمة العهد الجديد واظهار ان كل ما قيل حول تغيّر عون الرئيس عن عون الزعيم السياسي لم يكن سوى مجرد أحلام. وذهب البعض في هذا المجال الى اعتبار ان سلاح حزب الله سيرتد سلباً على عون وقد يستخدم ضده من قبل خصومه، فيما رأى آخرون ان المسألة لن تتعدى حدودها وهي اشبه بـ"زوبعة في فنجان" لان قانون الانتخاب سيسرق الاضواء مجدداً.

حاول البعض مقارنة اول موقف لعون بشكل رسمي من سلاح الحزب، بأول موقف لسلفه العماد ​ميشال سليمان​ المنتقد لسلاح حزب الله حين كان في احدى زياراته خارج لبنان. وتأتي المقارنة من باب ان سليمان انقلب في حينه على موقفه من السلاح وذهب في هذا الاتجاه حتى نهاية عهده، فيما ان عون كرّس بداية العهد نحو اتجاه "شرعنة" سلاح الحزب. في المبدأ، كان عون طوال فترة وجوده في بعبدا خارج الكلام عن سلاح حزب الله، ولو انه موضوع سيثار عاجلاً ام آجلاً، ويجب على رئيس الجمهورية اتخاذ موقف واضح منه، ولكن كلامه اتى رداً على سؤال مباشر من الصحافيّة المصريّة التي بدا انها تعمّدت الذهاب الى حيث لم يذهب صحافيو السعودية وقطر في مقابلاتهم، وهم معنيون أكثر من المصريين في هذا الشأن. وهنا، يقول مؤيّدون لعون انه وجد نفسه أمام الالتزام بموقف قديم-جديد للدولة اللبنانية وهو ان الجيش يفتقد للتجهيزات لمواجهة الجيش الاسرائيلي، على عكس حزب الله الذي اثبت امتلاكه لترسانة من الاسلحة القادرة على تغيير المعادلات مع اسرائيل. اضافة الى ذلك، يقول المؤيدون، ان الدولة اعترفت منذ العام 2006 وما بعد بسلاح الحزب وبعدم القدرة على انتزاعه منه، وذكّرت بأن طاولة حوار انعقدت للبحث في "الاستراتيجية الدفاعية" التي لم تؤدِّ الى نتيجة لان لا قدرة لأحد على تغيير الواقع الميداني، ولا نيّة لبنانية او دوليّة في وضع الجيش بمواجهة الحزب لأنّها معركة خاسرة على الصعد كافة.

ويلفت مؤيدو عون الى ان ما قاله ليس جديداً ولا يضعه في خانة الحزب، بل في خانة المنطق والواقعية، خصوصاً وان "حزب الله" بات قوة اقليميّة وليست لبنانيّة فقط، باعتراف الجميع وبالأخص روسيا التي حثت أميركا على النظر الى الحزب على انه مقاوم للإرهاب. واستهجنوا ايضاً التشكيك بولاء عون للجيش اللبناني، وشددوا على ان ما يقوم به الجيش على الصعيد الامني موضع فخر واعتزاز، وقد حمل عون هذه الانجازات الى كل دول العالم عبر زياراته ولقاءاته وتصريحاته، ولكن الواقع العسكري غير المحجوب يفيد بأن الجيش غير قادر على مقارعة اسرائيل، فالعمل الأمني غير العمل العسكري وحاجاته مختلفة، رغم بطولة عناصر الجيش الذين لا شكّ لأحد انهم مستعدون لبذل حياتهم في سبيل وطنهم.

في المقابل، يعتبر معارضو عون ورؤيته لسلاح الحزب، ان الرئيس اراد ضمان بقاء الحزب معه وطمأنته ان زياراته الى دول تحسب على المحور المعارض لايران وسياستها في المنطقة، لا يعني انه تخلى عن حزب الله، وهو يحتاجه حتماً في الساحات السياسيّة والاقتصاديّة، فكان هذا الموقف بمثابة "دفعة اولى" وضعت في الرصيد. واعتبر المعارضون لعون ان كلامه هذا من شأنه ان يعيد لبنان الى الوراء من خلال الحذر الذي سيغلب على الدول العربيّة والغربيّة عند التعاطي مع لبنان الرسمي في هذا المجال، بعد ان كانت تمنن النفس بأن الموقف اللبناني سينحاز الى لبنان فقط دون غيره من الدول، فيما يخوض الرئيس الاميركي دونالد ترامب مواجهة قاسية مع ايران في الوقت الراهن.

ودعا معارضو عون الى وجوب اعادة النظر في المواقف التي يطلقها رئيس الجمهورية حول مواضيع بهذه الحساسيّة، وان يذكر انه في بداية عهده اعتبره الكثيرون محط أمل بانطلاقة جديدة، ولا حاجة لتقويض هذه الاحلام بمواقف من هذا النوع.

من الطبيعي ان تثير مواقف عون انقساماً في الداخل اللبناني حول موضوع حسّاس كسلاح حزب الله، ولكن لا يبدو ان الامور تسير في اتجاه الغاء مفاعيل كل ما تحقق حتى الآن، فالقانون الانتخابي على الابواب وسيفرض نفسه بشكل سريع مجدداً، وكل القوى "مستنفرة" للخروج من هذا الاستحقاق الدستوري الضاغط.