حلت ذكرى ​14 شباط​ هذا العام مع تغييرات كبيرة شهدتها الساحة اللبنانية، من انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة، وسط جو تصالحي عام بين الافرقاء وانتهاء فعلي لفريق 14 اذار. ومع خريطة تحالفات جديدة ابرزها التفاهم "العوني-القواتي"، وما شهدته فترة ما قبل الانتخابات الرئاسية من تجاذبات بين حلفاء الصفّ الواحد.

احتفال البيال أظهر تيار "المستقبل" بحلّته الجديدة، بعد فترة شهدت ترهلا تنظيميا كبيرا واعادة ترميم من قبل رئيسه، كما ابرز الاحتفال الخطاب التصالحي المستجدّ للتيار بعيدا عن شعارات التجييش والشحن والمواجهة مع حزب الله، واعاد الاحتفال في الشكل العلاقة الحميمية بين رئيس الحكومة ​سعد الحريري​ ورئيس القوات سمير جعجع عبر دخولهما المشترك وايصال رسائل لمن يعنيهم الامر، بعد فترة زمنيّة لم تكن بأحسن حالاتها بين "المستقبل" و"القوات" قبل انتخاب الرئيس.

خطاب عقلاني

المحلل السياسي ​علي حمادة​ لفت الى أنّ الذكرى الثانية عشر لاغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري حلّت وقد دخل لبنان في تسوية سياسية كبيرة، وهذه التسوية كما دلّت في الايام الماضية واحتفال 14 شباط هي قرار ان يلتقي جميع الافرقاء عند منتصف الطريق، بحيث لم يتنازل أي طرف عن مواقفه الا فيما يخص الاستقرار وحلّ المشاكل الحياتية للناس، وبناء مشروع الدولة في هذه المرحلة المتقلبة من المنطقة.

واوضح حمادة ان الرئيس العماد ميشال عون بقي على ثوابته من موضوع السلاح، كما موقف رئيس الحكومة سعد الحريري عن نفس السلاح في خطاب 14 شباط حيث اكد انه غير شرعي دون ان يكون هذا عنوانا للخلاف السياسي، والدليل حضور ممثل عن رئيس الجمهورية في احتفال البيال وزير العدل سليم جريصاتي، وهذا الحضور له دلالاته، بما معناه ان الرئيس عون يريد ان يوجه تحية للحريري في هذه الذكرى فأرسل له الشخص الأكثر معارضة للمحكمة الدولية.

بدوره، اشار المحلل السياسي ​ابراهيم بيرم​ الى ان خطاب رئيس الحكومة المتوقّع قبل الاحتفال كان التصعيد تجاه حزب الله وسلاحه، لا سيما بعد كلام النائب عقاب صقر، وهناك من تحدّث عن العودة الى مرحلة الانقسام السياسي في البلد، الا انه جاء اكثر عقلانية وهدوءا مما كان يُرتقب، وهو ينمّ عن رغبة أساسية بعدم اعادة الامور الى ما قبل تشكيل الحكومة والى فترة الانقسام السياسي، وهذا الحريري الذي ظهر بعد غياب طويل يأتي بنفس المحافظة قدر الامكان على بقائه في الحكم، بظل تركيبة سياسيّة مقابلة له متماسكة يمثّلها الرئيس عون وحزب الله.

واوضح بيرم ان الخطاب كان عقلانيا يحاكي مرحلة ما بعد عودة الحريري الى الحكم، وسقوط الرهانات على تحوّل ما في الساحة السورية وفترة ضعف الحريريّة السياسية.

التسوية قائمة

المحلل السياسي والصحافي علي حمادة أكد ان التسوية في البلد لا تزال قائمة، وهناك قرار على مستوى كل القوى السياسية للحفاظ على الحدّ الممكن من الاستقرار ومنع مؤسسات الدولة من الانهيار، والجميع قرر تنظيم الخلاف.

واوضح ان حضور جعجع في ذكرى الحريري له رمزيته وهو رفيق في 14 اذار، كما اراد الرجلان بهذا الدخول على التشديد على عنصر الحميميّة في العلاقة وعنصر الرفقة طويلة المدى منذ اكثر من 12 عاما، وهذه الرسالة موجهة لكافة الافرقاء انه صحيح ان 14 اذار ليست موجودة كتنظيم ولكنها في النفوس، كما ان الحريري وجعجع التقيا على التسوية الرئاسية التي أوصلت الجنرال عون الى منصب الرئاسة، وهو ما يؤكّد انهما يدعمان العهد والرئيس عون رغم الافتراقات المتعلقة بسلاح حزب الله. ولفت الى ان الرئيس عون خفّف قليلا من التصريح الاول قبل ذهابه الى القاهرة، وبالتالي لم يحصل أي اشتباك سوى تأكيد كل فريق على مواقفه.

بالمقابل، اشار ابراهيم بيرم الى ان عدم حضور وزير العدل السابق اشرف ريفي جزء من المشكلة الداخلية في تيار "المستقبل"، وهي ترجع الى ما قبل عودة الحريري الى الحكم، هذه العودة قضت على جزء منها عبر المؤتمرات التي حدثت، الا ان بعض الازمات بقيت وعلى رأسها مشكلة ريفي، ومشكلة النائب احمد فتفت الغائب عن المشهد والصامت حاليا احتجاجا على بعض الامور، والسؤال الاكبر اليوم عن مصير رئيس كتلة "المستقبل" النائب فؤاد السنيورة وامكانية السير في نهج الحريري الجديد لناحية مهادنة حزب الله ومصالحة الرئيس عون.

ولفت بيرم الى انه كان هناك قطيعة في السابق بين جعجع والحريري وشعرنا حينها ان فترة 14 اذار انتهت مع تأييد جعجع للعماد عون وتفاهم معراب، وكأن جعجع خرج من جو التحالف مع المستقبل، الا ان مشهد البيال بالامس واجتماع بيت الوسط بين الرجلين يدلّ على ان الفريقين بحاجة الى بعضهما البعض ويحاولان بناء اتفاق خارج الاطار السابق، والحريري يبحث عن حليف مسيحي وجعجع هو الباب الّذي يبحث عن باب للطائفة السنية أيضًا والحريري من يؤمّن ذلك، ورأى ان ما حصل مشهد مصلحي وليس حقيقي.

خطاب الحريري جاء هادئا بعيدا عن الصخب الاعلامي والتجييش، تحدّث عن مرحلة التهدئة المقبلة والانتخابات النيابية وغيرها من الامور الحياتية، كما ركز على متانة العلاقة مع الرئاسة الاولى، على أمل ان تتحقق بعض الانجازات على صعيد الدولة ويظل البلد في هذا الجو من الهدوء والاستقرار.