منذ ما قبل القمة الإسرائيلية-الأميركية، التي جمعت كل من الرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​ ورئيس الوزراء الإسرائيلي ​بنيامين نتانياهو​، كان من المتوقع أن تكون إيران هي الحاضر الأبرز على طاولة المباحثات، نظراً إلى أن الجانبين يشتركان في النظرة العدائيّة لها، لكن ما لم يكن متوقعاً هو إعلان نتانياهو رسمياً عن تبدل نظرة بعض الدول العربية إلى تل أبيب.

من حيث المبدأ، وجد نتايناهو في ترامب الفرصة التي لم تكن متوفرة في سلفه باراك أوباما، لا سيما أن الأخير إختتم عهده برفض إستخدام حق النقض (الفيتو) ضد قرار يدين الإستيطان الإسرائيلي، في حين أن الرئيس الأميركي الجديد لم يتردد في التنصل من حل الدولتين، الفلسطينية والإسرائيلية، فهو لا يمانع صيغة أي حل، سواء كان على شكل دولتين أو على شكل دولة واحدة.

في هذا السياق، خرج نتانياهو بعد لقاء القمة ليؤكد ما كان يتم التداول به في بعض الأوساط الإعلامية والسياسية، عن تبدل نظرة بعض الدول العربية إلى إسرائيل، قائلاً: "للمرة الأولى في تاريخ إسرائيل وفي حياتي، لم تعد الدول العربية تنظر إلى إسرائيل كعدو، بل كحليف"، الأمر الذي ردّ عليه ترامب مباشرة بالإشارة إلى أنه "لم أكن أعلم أنك ستتحدث عن هذا الاتفاق، ولكن نعم نسعى إلى التوصل إلى مبادرة سلام جديدة وعظيمة، ليس فقط بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بل ستتضمن الكثير من الدول العربية الأخرى".

وبعيداً عن الصورة التي ستكون عليها هذه المبادرة الجديدة، من الضروري البحث عن التحول في النظرة العربية إلى إسرائيل، التي ستكون القضية الفلسطينية هي الخاسر الأكبر منه، والذي لا يبتعد كثيراً عن طهران، التي باتت العدو المشترك لتلك الدول العربية وإسرائيل معاً، بالرغم من الجولة التي قام بها الرئيس الإيراني حسن روحاني في سلطنة عمان ودولة الكويت في الأيام الماضية لتوضيح وجهة نظر بلاده، فالجميع بات يدرك حجم الأزمة القائمة بين إيران والدول الخليجية، خصوصاً السعودية، والتي تحولت إلى عداء تام، في ظل الحروب بالوكالة التي يخوضها الجانبان في أكثر من ساحة، لا سيما في سوريا والعراق واليمن، والأمر نفسه ينطبق على بعض الدول الأفريقية التي أصبحت ساحة تنافس على النفوذ بين الرياض وطهران، وبالتأكيد لم يكن نتانياهو أو ترامب يقصدان دولا عربية أخرى في حديثهما.

وبالرغم من أن هذا التحول ليس بالجديد من نوعه، بل يعود إلى ما لا يقل عن 10 سنوات، والدليل هو الموقف من عدوان تموز 2006 على لبنان، يوم دعا أمين عام "حزب الله" السيد حسن نصر الله الدول العربية نفسها إلى أن "تحلّ" عن المقاومة التي لا تريد منها شيئاً، إلا أنه يكشف التطور في الموقف الذي بات يصدر بشكل علني من دون أي مواربة، في تأكيد على أن تل أبيب كانت الرابح الأكبر من الفوضى التي تعمّ دول المنطقة، خصوصاً بعد أن تحوّلت حركات المقاومة إلى منظمات "إرهابيّة"، بالتصنيف العربي وليس فقط الأميركي أو الإسرائيلي، وبعد أن دمرت الحروب مقدّرات ما كان يعرف بـ"دول المواجهة".

من حيث المبدأ، كشف لقاء القمة الإسرائيلية-الأميركية عن الصورة التي ستكون عليها المنطقة في المستقبل القريب، في ظل رئاسة دونالد ترامب للولايات المتحدة، حيث ستكون بعض الدول العربيّة مجتمعة معه، إلى جانب إسرائيل طبعاً، في المواجهة مع إيران، وبالإشتراك في تعريف موحّد للإرهاب، يخلط بين القوى المتطرّفة وفصائل المقاومة، بينما تستغل إسرائيل الظرف لاستكمال عملية القضاء على القضيّة الفلسطينية، الأمر الذي كانت قد أشارت إليه صحيفة "وول ستريت جورنال" نقلاً عن عدد من المسؤولين في الشرق الأوسط، عندما تحدثت عن أن إدارة ترامب تُجري محادثات مع حلفائها العرب حول تشكيل تحالف عسكري من شأنه أن يتبادل المعلومات الاستخبارية مع إسرائيل، وذلك في إطار التعاون في مواجهة عدوّهم المشترك، إيران".

في المحصلة، لن تكون الأيام المقبلة أفضل من السابقة، لا سيما على مستوى الأزمة بين بعض الدول العربية وإيران، بينما ستسفيد تل أبيب من الواقع الجديد لتحقيق مصالحها.