كثيرةٌ هي المؤشّرات غير المطمئنة ظاهرًا التي برزت في الساعات القليلة الماضية، بدءًا من "الشائعات" عن "إذنٍ" سيمنحه الرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​ لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو لشنّ حربٍ على لبنان، وصولاً إلى البيان الأميركي المفاجئ شكلاً ومضموناً حول "حظر السفر إلى لبنان".

وإذا كان الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله تناول التهديدات الإسرائيلية من بوابة "الردع"، فإنّ تطورات الساعات الأخيرة حملت عمليًا الكثير من علامات الاستفهام، فهل انتهت بالفعل نعمة المظلة الأمنيّة التي يتحصّن بها لبنان؟ وهل باتت الحرب على الأبواب؟!

بيانٌ مفاجئ...

من حيث الشكل أولاً، يمكن القول أنّ بيان حظر السفر الأميركي أتى مفاجئاً ومباغتاً للكثيرين، خصوصًا أنّ لبنان، الذي ينعم بمظلّةٍ أمنيةٍ وافرةٍ منذ أشهرٍ طويلة، لم يكن يسمع طيلة الفترة الأخيرة سوى الإشادة على جهود أجهزته الأمنية في مكافحة الإرهاب وتجنيب الساحة اللبنانية كأسه المرّة بكلّ الوسائل الممكنة، وكان آخرها الإنجاز الذي حققه كل من استخبارات الجيش وفرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي بإحباط عملية انتحارية في مقهى الكوستا في الحمرا قبل لحظاتٍ من حدوثها، من دون أن ننسى عمليات التوقيف اليومية التي تقوم بها الأجهزة الأمنية المختلفة في ما اصطُلِح على تسميته بالأمن الاستباقي.

انطلاقاً من كلّ ما سبق، تفاجأ المسؤولون اللبنانيون من مضمون البيان الأميركي، وإن كان "روتينيًا" كما حاول بعض الدبلوماسيين الأميركيين الإيحاء، باعتبار أنّ مثل هذه البيانات تصدر دوريًا كلّ ستّة أشهر لتنبيه الرعايا الأميركيين حول العالم من بعض بؤر التوتر والخطر. ولعلّ أكثر ما أثار الامتعاض في البيان الأميركي أنّه استند، في معرض تبرير خلاصته، إلى أحداثٍ قديمة عفا عليها الزمن، كأحداث طرابلس على سبيل المثال لا الحصر، وهي أحداثٌ باتت من الماضي، بعدما نجحت الخطة الأمنية التي أقرّتها حكومة تمّام سلام السابقة في وضع حدٍ نهائي لها.

صحيح أنّ كلّ ذلك لا يعني أنّ لبنان في أمانٍ كامل، فهو في النهاية ليس جزيرة منعزلة، وبالتالي فإنّ خطر الإرهاب الذي يضرب المنطقة يهدّده من دون شكّ، وهناك الكثير من المعلومات التي تتداول بشكل يومي عن أنّ لبنان يشكّل "الهدف التالي" للإرهابيين بعد الهزائم التي يتكبّدونها في سوريا. ولكنّ هذا الأمر لا يبرّر تصويره كبلدٍ في قلب المعركة، خصوصًا أنّ دولاً غربيّة، من بينها ​الولايات المتحدة​ الأميركية نفسها، وأوروبية كذلك الأمر باتت تعاني الأمرّين من الإرهاب، الذي ضربها في الصميم أكثر من مرّة.

إسرائيل على الخط...

انطلاقاً من كلّ ما سبق، قد يكون من الواقعية بمكان مقاربة البيان الأميركي بشيءٍ من الريبة والحذر، علمًا أنّ البعض ذهب لحدّ القول أنّه كُتِب بأحرفٍ إسرائيلية خالصة، باعتبار أنّه يأتي ليخدم الأجندة الإسرائيلية قبل كلّ شيء، وكأنّ الإدارة الأميركية الجديدة أرادت من خلاله إعطاء الإسرائيليين ما يريدونه في لبنان، فضلاً عن كونها تؤكّد في مكانٍ ما أنّ شيئاً لم يتغيّر في التعاطي مع لبنان مع انطلاقة عهدٍ جديدٍ ووصول رئيسٍ جديد هو ميشال عون إلى قصر بعبدا.

أكثر من ذلك، فإنّ البعض لم يتردّد في الربط بين البيان الأميركيّ من جهة ومواقف رئيس الجمهورية ميشال عون الأخير بشأن "حزب الله" وسلاح المقاومة من جهة ثانية، باعتبار أنّ وقوف رئيس الجمهورية إلى جانب "حزب الله" وتشريعه في مكانٍ ما سلاحه، كونه يحمي لبنان في مواجهة التهديدات الإسرائيلية المستمرّة أزعج الإسرائيليين، وسرّع في المقابل بصدور البيان، الذي أشارت بعض المعلومات أنّه كان مؤجّلاً بعض الشيء.

أكثر من ذلك، فإنّ موقف عون أحبط المراهنين على فقدان الحزب لجزء كبير من شرعيته عبر خسارته لأبرز حلفائه في الساحة المسيحية، ممّن كانوا يروّجون لما يسمّونه "انقلاباً" في مواقف الرئيس بعد وصوله إلى قصر بعبدا، واعتماده لغة "رمادية" أو "خشبية" تشبه تلك التي كانت معتمَدة في السابق، على قاعدة أنّ الرئيس لا يجب أن يكون حازمًا في ملفٍ بهذه الحساسية، بل يفترض به أن يكون وسطيًا في أحسن الأحوال.

ولعلّ الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله فهم هذه الرسالة، فحوّل خطابه في 16 شباط إلى "خطاب ردعٍ" بكلّ ما للكلمة من معنى، مضيفاً موقف رئيس الجمهورية إلى سلسلة "عناصر القوة" التي يتمتّع بها لبنان، إلى جانب قوة المقاومة ويقظتها، واستنفار الأجهزة الأمنية على اختلافها وتنوّعها، وفي ذلك أكثر من دلالة يجب أخذها بعين الاعتبار.

الحرب واردة؟

بعد خطاب الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله، شعر الكثيرون بالخطر. قد تكون من المرّات النادرة التي لا ينفي فيها "السيد" احتمال الحرب بوضوح، فيؤكد أنّ الظروف السياسية لمثل هذه الحرب حاضرة دائمًا. ولكنّ المتابع يدرك أنّ خطاب نصرالله أتى ليواجه الخطر، لا ليغذّيه، عبر دخوله على خط الحرب النفسية، فهو كان واضحًا بأنّ "إذناً" من ترامب وحده لا يكفي ليشنّ الإسرائيليون حرباً، طالما أنّ مقوّماتها لا تزال غائبة، وحرب تموز ما تزال ماثلة في أذهانه.

الحرب واردة في أيّ لحظة. هذا ما يقوله "حزب الله" دائمًا، والغطاء الأميركي بجيب الإسرائيليّين فيها، لا شكّ. ولكنّ كلّ المؤشرات لا توحي بأنّ وقتها قد حان، رغم كلّ الضجّة المثارة، الحقيقية والمفتعلة على حدّ سواء...