ليس من الصعب أبداً على زوار الصرح البطريركي في هذه الأيام، أن يكشفوا غضب الكنيسة الناتج عن طريقة تعامل بعض السياسيين مع مسألة ​الإنتخابات النيابية​ وضرورة التوصل الى قانون جديد للإنتخابات.

صحيح أن إنتخابات رئاسة الجمهورية لطالما كانت همّ بكركي الأول في زمن الفراغ، لكن الإستحقاق النيابي المرتقب وما يتضمنه من تصحيح للتمثيل المسيحي، هو أيضاً على رأس سلّم أولوياتها لا بل يتصدّر هذه الأولويات بعد إنتخاب رئيس الجمهورية، لذلك يعبّر البطريرك الماروني الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي عن إستيائه من المشاورات الإنتخابية القائمة، ولذلك أيضاً، سيشكل قانون الإنتخاب المحور الأساس في الإجتماع الشهري المقبل لمجلس ​المطارنة الموارنة​. أكثر ما يزعج البطريركية المارونية بحسب مصادر كنسية رفيعة، هو المنطق التهميشي الذي لا يزال يتعاطى به البعض مع المسيحيين، على رغم طي صفحة التهميش هذه، وعلى رغم تفاهم الحزبين الأقوى مسيحياً، أي التيار الوطني الحر و​القوات اللبنانية​، وعلى رغم إنتخاب الزعيم المسيحي الأكثر تمثيلاً في شارعه رئيساً للجمهورية. وفي هذا السياق تسأل المصادر الكنسية، "كيف يمكن التوصل الى قانون جديد وعصري للإنتخابات، إذا كان بعض السياسيين يبحث عن صيغة قانون تبقي لرئيس الحزب التقدمي الإشتراكي النائب وليد جنبلاط كتلة نيابية مؤلفة من 11 أو 13 نائباً، نصفهم من المسيحيين ونصفهم الآخر من طائفة الموحدين الدروز؟ وكيف للقانون الإنتخابي الجديد أن يبصر النور، فيما البعض الآخر من السياسيين يفاوض على قاعدة أن كتلة تيار المستقبل النيابية التي ستتشكل بعد إجراء الإنتخابات النيابية وإنطلاقاً من فرز صناديق الإقتراع، يجب أن يبقى عدد الأعضاء فيها أكثر من ثلاثين نائباً، ويجب أن تضم كما هي اليوم أكثر من نواب مسيحيين"؟.

نعم على هذه القواعد، لا يبنى تمثيل صحيح، ولا يصحح خلل عمره من عمر إتفاق الطائف كرّس على قاعدة الغالب والمغلوب التي أفرزتها الحرب اللبنانية. على هذه القواعد، تبقى مفاوضات قانون الإنتخاب مفتوحة بين الأفرقاء السياسين من دون أن تحرز التقدم المطلوب ومن دون أن تنجز القانون الإنتخابي المنتظر، ومن دون أن تجرى الإنتخابات قبل انقضاء المهل الدستورية. وسط هذه القناعة الكنسية، وفي ظل المراوحة التي نشهدها، "الشيء الوحيد الذي يريح البطريركية المارونية"، يقول مطران بارز "هو رفض رئيس الجمهورية العماد ميشال عون توقيع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة الأمر الذي يخلق من جهة جواً من الإطمئنان لعدم إجراء الإنتخابات كما يريد البعض على أساس قانون الستين، ومن جهة أخرى يضغط على المسؤولين لتغيير قواعد المفاوضات والإنتقال الى ضفة البحث عن قانون يصحح التمثيل المسيحي، علّ هذا الإنتقال يحقق الخرق المطلوب في جدار الأزمة القائمة ويجعل من المعاندين يتنازلون عن عنادهم غير المحق، كما تنازلوا في إنتخابات رئاسة الجمهورية، وأعادوا للمسيحيين كلمتهم بمن يريدون على رأس الدولة، وكما هي الكلمة للطوائف الأخرى بالنسبة الى هويّة رئيس السلطتين الثانية والثالثة.