على الرغم من العلاقات الاقتصادية القوية التي تربط تركيا وإيران، يبدو أن أنقرة قررت الإلتحاق بالمحور الجديد الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية ضد طهران، في ظل تصاعد التنافس على النفوذ بين الجانبين في سوريا والعراق بالإضافة إلى ساحات أخرى.

في ظل التحوّلات التي تسيطر على المشهد الإقليمي والدولي، منذ تسلم الرئيس الأميركي الجديد ​دونالد ترامب​ السلطة في بلاده، تصاعدت أزمة دبلوماسية بين البلدين، بعد استدعاء وزارة الخارجية الإيرانية السفير التركي لدى طهران رضا هاكان تكين، على خلفية تصريحات أدلى بها رئيسه رجب طيب أردوغان ووزير خارجيته مولود جاويش أوغلو، عن سعي إيران لـ"التوسع الفارسي"، و"نشر التشيّع" في سوريا والعراق، وتقويض سلامة دول خليجية.

في هذا السياق، يبرز تضارب المصالح بين الجانبين على الساحتين السورية والعراقية، حيث تعارض طهران أي دور لأنقرة في الدولتين، بينما إختار أردوغان القيام بجولة خليجية، في الأيام الماضية، في وقت تشهد العلاقات الإيرانية مع البلدان الخليجية، لا سيما السعودية، توتراً شديداً.

من وجهة نظر رئيس المعهد التركي العربي للدراسات الإستراتيجية ابراهيم بوعزي، المشكلة الأساس تكمن في المواقف المختلفة من الأزمة السورية، حيث تبيّن بعد الجولة الثانية من مفاوضات الآستانة أن طهران لا تريد الإلتزام بما تم الإتفاق عليه، وهي أيضاً تعارض عملية "درع الفرات" التي تقوم بها أنقرة، وترفض خيار المناطق الآمنة، الذي أعلن عنه ترامب وأردوغان كان يطالب به منذ فترة طويلة.

ولا يتردد بوعزي، في حديث لـ"النشرة"، من الإشارة إلى اعتبار تركيا أن طهران تقود مشروعا طائفيا في المنطقة، بينما أنقرة لا تريد أن تكون معزولة عن العالم العربي، خصوصاً أن الدول العربية تعتبر من أسواقها الإقتصادية الرئيسية، ويضيف: المسألة تحمل أبعادًا مذهبية وسياسية وإقتصادية".

من جانبه، يشير الكاتب والمحلل السياسي الإيراني حسن هاني زاده إلى أن الخطاب التركي الأخير، لا سيما على لسان وزير الخارجية، يدلّ على وجود محاولات مشتركة، مع السعودية وإسرائيل، لتشكيل إئتلاف إقليمي جديد ضد إيران، ويرى أن المنطقة قد تشهد في المرحلة المقبلة ولادة حلف "ناتو" عربي تركي اسرائيلي بقيادة الولايات المتحدة التي شجعت هذه الدول على التعاون ضد طهران.

ويلفت زاده، في حديث لـ"النشرة"، الى أن أنقرة تسعى من وراء ذلك للإستفادة من الإمكانيات الإقتصاديّة للدول الخليجيّة، لا سيما بعد فشل مشروع إنضمامها إلى الإتحاد الأوروبي، وكذلك خسارتها في سوريا والعراق، ويؤكّد بأن الرياض تقف وراء هذا التحول، خصوصاً أنها كانت قد قامت بالأمر نفسه مع حليف إيران السابق الرئيس السوداني عمر البشير، ويضيف: "السعودية تريد جر تركيا إلى المواجهة المباشرة مع إيران لأنها لا تستطيع القيام بهذا الأمر".

في هذا الإطار، تطرح الكثير من الأسئلة حول المدى الذي من الممكن أن تصل إليه الأزمة بين البلدين، بعد تهديد إيران بأن لصبرها حدود، إلا أن بوعزي، الذي يؤكد بأن طهران تشعر بأن الولايات المتحدة بدأت تحاصرها، لا يعتبر بأن الأمور ستصل إلى مرحلة الحرب المباشرة بين الجانبين، لأن التداعيات ستكون كبيرة على مستوى العالم وليس على المنطقة فقط، نظراً إلى ان الدولتين تمتلكان أسلحة نووية.

ويرى بوعزي أن التوتر سيبقى في مستوى التصريحات الدبلوماسيّة، ويلفت إلى أن إيران بحاجة إلى تركيا التي كانت المتنفس الوحيد لها في فترة الحصار الأميركي السابق، ويشير إلى أن روسيا قادرة على لملمة الأزمة نظراً إلى العلاقة الجيّدة التي تجمعها مع الجانبين.

بدوره، يوافق زاده على الحديث عن الدور الروسي لمعالجة هذا التوتر، بالرغم من تأكيده بأن أنقرة اتخذت قرارها على هذا الصعيد، ويشدد على أن التصعيد جدي، بعد الوعد القطري لتركيا بتقديم الغاز الطبيعي، والاستعداد السعودي لتقديم الأموال الطائلة لهذه الغاية، ويرى أنه في حال عدم نجاح جهود موسكو فإن الأمور ذاهبة إلى المزيد من التصعيد.

في المحصلة، دخلت العلاقات التركية-الإيرانية مرحلة جديدة، بعد أن كان رئيس الوزراء التركي أحمد داوود أوغلو قد أعلن، في شهر آذار من العام الماضي، أن تعاون الجانبين يمنع دخول "الأجانب" إلى المنطقة.