واضح أنّ الرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​ سيَمضي في مهادنة الرئيس بشار الأسد. وأساساً، ولّت المرحلة التي كان يُراد فيها إسقاطه. ويردّ الرئيس السوري على التحية بمثلها، بل يذهب إلى المزايدة على ترامب: «أنت على حقّ في قرارك حظر دخول المهاجرين من 7 دول إسلامية. هؤلاء فيهم كثير من الإرهابيين». لقد حظيَ ترامب بتأييد الأسد في قراره، فيما القضاء الأميركي وقف ضده!

في بدايات الحرب السورية، كانت إدارة الرئيس باراك أوباما مقتنعة بالنظرة الأوروبية القائلة بضرورة خروج الأسد من السلطة وإقامة «حكومة ديموقراطية»، وفقاً للمفهوم الذي أعطي لما سمّي «الربيع العربي» في تلك الفترة.

هذه النظرة تبدّلت سريعاً بفعل أربعة عوامل:

1 - نجاح الأسد، مرّة أخرى، في إقناع الغرب بأنه الوحيد القادر على ضمان استقرار سوريا، وأنه الشريك الطبيعي للغرب في الحرب على التطرّف والإرهاب الدينيّين. وفي كلمة أخرى، تمكّن الأسد من تعويم الدور التاريخي لآل الأسد كوكلاء محليّين للتصدّي للسلفيات الإسلامية التي تقلق الغرب وروسيا.

2 - الاقتناع الإسرائيلي بعدم سقوط الأسد. فليس هناك مجال لدوام الحرب في سوريا ولا حتى في العراق، ولا لزعزعة الكيانات في سوريا والشرق الأوسط، إذا خسر الأسد وحلفاؤه. ويرتاح الإسرائيليون إلى أنّ الجولان يعيش أفضل حالاته منذ نصف قرن، بلا مقاومة ولا مقاومين، في ظل حكم الأسد.

3 - إقتنعت أنظمة عربية وإقليمية لطالما دعمت المعارضة السورية بأنّ سقوط الأسد في أيدي «داعش» وحليفاتها سيقود إلى انهيارات أخرى قد لا تسلم منها هذه الأنظمة إياها.

4 - لعب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين دوراً حيوياً في تسويق هذه النظرة لدى العرب والأتراك والأوروبيين والأميركيين. وقد كرَّس اتفاق كيري- لافروف هذا الخيار بإنقاذه رأس الأسد من المحاكمة الدولية بتهمة استخدام السلاح الكيماوي ضد المدنيين.

وانطلاقاً من هذا الخيار، مدَّ الأميركيون جسور التفاهم مع إيران. في البداية، أبدوا تأييداً ضمنياً للدور الإيراني في سوريا. فلا يمكن القول ببقاء الأسد في السلطة في مقابل الوقوف ضد إيران وحرسها الثوري و»حزب الله»، أي القوى التي تضطلع بدور حيوي في الدفاع عنه.

إذاً، القبول الأميركي ببقاء الأسد في السلطة ليس وليد نهج جديد جاءت به إدارة ترامب، بل هو استمرار لمنطق أوباما الذي قال بضرورة استمرار الأسد في السلطة خلال المرحلة الانتقالية، منعاً لأيّ صدمات غير محسوبة في سوريا ومجمل الشرق الأوسط.

اللافت، مع وصول ترامب إلى البيت الأبيض، هو أنّ الرجل يبدو متحمّساً ضد سياسة إيران التوسعية في الشرق الأوسط، وهو يبدي رغبة في إعادة النظر في مفاعيل الاتفاق النووي المبرم بينها وبين مجموعة الـ5+1 في فيينا، لكنه ماضٍ في مراعاة دور الأسد.

لم يصدر عن إدارة ترامب ما يوحي بأيّ تغيير سلبي مفترض في النهج تجاه الملف السوري، بل على العكس، بات الرئيس الجديد أقرب إلى سياسة بوتين القائلة إنّ الأسد شريك في التصدي للتطرف الديني الإسلامي الذي يقلق الغرب.

ولم يسمع ترامب، المتحمّس جداً ضد السلفيات الإسلامية، صوتاً واحداً داعماً لسياسته المتشدِّدة من أيّ حليف أوروبي. واتهمته غالبية الحلفاء بالتطرف واعتماد سياسة حمقاء. لكنّ الأسد وقف معه. فماذا يريد ترامب أفضل من ذلك؟

أساساً، الأوروبيون الذين يهاجمون الأسد في العلن يرسلون البعثات الأمنية وينسِّقون معه في الملفات المتعلقة بالإرهاب. وعلى رغم اقتناع هؤلاء بأنّ جزءاً من الإرهاب الإسلامي هو «من صنيعة» النظام في سوريا، لتبرير استمراره وحصوله على الدعم، فإنهم لا يجدون بديلاً من الأسد لمحادثته في الملف والتنسيق معه.

وفي أيّ حال، تبدو «أوروبا المعتدلة» إلى انحسار في مواجهة التطرّف. وبعد تصويت بريطانيا على الخروج من الاتحاد الأوروبي، سيكون التحدّي المقبل، بعد أسابيع، في فرنسا، حيث ترتفع أسهم اليمين بقوة، وتسري «العدوى الترامبية» في القارة العجوز، الفاقدة المناعة في وجه المهاجرين. وكانت واضحة مهمَّة مارين لوبان التبشيرية ببشّار الأسد في بيروت، على مسافة كيلومترات من دمشق، ومسافة أمتار من «حزب الله».

إذاً، في الأفق مهادنة بين الأسد وترامب و»الترامبيين الأوروبيين»، على رغم التباعد بينهم وبين إيران و»حزب الله». ويبدو أنّ طهران قرَّرت التزام سياسة الصبر مرّة أخرى. فالذي يدخل من باب الأسد، لا يمكنه إلّا الخروج من النافذة الإيرانية.

ستقوم إسرائيل في هذا الخضم بترتيب مصالحها: تعمد إلى تضخيم الهواجس المتأتّية عن إيران وتخويف أميركا والغرب من النمو الإيراني، النووي خصوصاً. وتستغل ذلك للمطالبة بزيادات هائلة للمساعدات بالسلاح والمال. وسيقوم الأميركيون والأوروبيون بتلبية مطالبها.

في الواقع، لا يخشى الإسرائيليون أن تمتلك إيران السلاح النووي. وعلى العكس، لا بأس في أن يكون هناك سلاح نووي شيعي في إيران، مقابل السلاح النووي السنّي في باكستان. لكنّ هناك مدى حيوياً إقليمياً للسلاح النووي تريد إسرائيل إبقاءه لها وحدها.

إيران النووية تريدها إسرائيل أن تكون محدودة ومحدّدة: تبدأ في إيران وتنتهي في إيران. وأما الشرق الأوسط العربي فيجب أن يكون في المدى الحيوي للسلاح النووي الإسرائيلي. لذلك، يضرب الإسرائيليون دائماً، أيّ وجود نووي أو أيّ تمدّد للسلاح غير التقليدي، في العراق أو سوريا أو لبنان.

سيكون صعباً أن يفتح ترامب مواجهة مع إيران و»حزب الله» فيما يرغب في استمرار الأسد، ولو مرحلياً. فإيران هي الستار الواقي للرئيس السوري، يداً بيد، مع بوتين. فهل تصحّ النظرية الإيرانية، فيدخل ترامب باب الأسد، بمساعدة بوتين، ليجد نفسه في طهران؟

تركيبة ترامب غير التقليدية، الصادمة، توحي بأنّ الاحتمالات كلها واردة.