قبل أيام قليلة قيل أن جهات خارجية حذّرت لبنان من إمكانية قيام إسرائيل بعدوان على أراضيه، وقد ترافق ذلك مع جملة تسريبات من هذا النوع بالاضافة إلى تهديدات مباشرة من كبار المسؤولين الإسرائيليين من سياسيين وعسكريين بالويل والثبور وعظائم الأمور رداً على الكلام الاخير للامين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله الذي لوّح فيه بضرب مفاعل «ديمونا» النووي. في مقابل ذلك قلل «حزب الله» من قيمة هذه التحذيرات والتهديدات، لكنه في الوقت نفسه أعلن استعداده لمواجهة اي عدوان محتمل، لا بل انه أكّد ان لا خطوط حمراً بعد اليوم، أي أن ابواب دخوله الى المستوطنات الشمالية ستكون مشرعة، وأن صواريخه ستطال العمق الإسرائيلي.

صحيح أن هذه المواقف التي تطلق من قبل الجانبين توحي وكأن هناك ارتفاعاً في منسوب المخاطر من إمكانية وقوع حرب جديدة على غرار ما حصل في تموز من العام 2006، غير أن اي تطوّر ميداني يدعم مثل هكذا توقعات لم يسجل بشكل مباشر، مع أن الجيش الاسرائيلي لا ينفك القيام بمناورات عسكرية تحاكي المدن والقرى والبلدات اللبنانية حيث يتواجد «حزب الله»، لا بل إن بعض القيادات العسكرية تقوم بزيارات دورية للمناطق الشمالية لاستطلاع الوضع.

إن اسرائيل تدرك بأن أي عدوان على لبنان لن يكون نزهة على غرار ما كان يحصل في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، وأن أكلاف أي خطوة من هذا النوع ستكون مكلفة كثيراً على المستويين المالي والبشري، خصوصاً وأن العديد من الجنود الإسرائيليين ما زالوا يعانون اوضاعاً نفسية سيئة للغاية نتيجة ما تعرضوا له في حرب تموز، التي على ما يبدو من الصعب ان تمحى من ذاكرتهم.

ما من شك أن تل أبيب تعي تماماً أن قوة «حزب الله» تعاظمت كثيراً منذ العام 2006 إلى الآن حيث ان ترسانته العسكرية لا سيما الصاروخية منها باتت كبيرة جداً، كما أن مشاركة الحزب في الحرب الدائرة في سوريا اكسبته خبرة قوية وجعلت قوته توازي قوة أي جيش نظامي قوي، وهذا من دون شك تأخذه القيادة العسكرية الاسرائيلية في الحسبان وهو ما يجعلها تحسب الف حساب قبل مجرّد التفكير بأي عدوان ضد لبنان، وإن كان القرار السياسي متخذاً دائماً.

وما يُعزّز الاعتقاد بأن إسرائيل لن تقدّم على أي عمل عسكري اعتباطي على لبنان، أقله في هذه المرحلة، ما كتبه معلق الشؤون الأمنية في صحيفة «يديعوت احرونوت» رونين بيرغمان «انه خلال محادثات جهات استخبارية غربية، ضمن إطار مؤتمر الأمن الدولي الذي انعقد في ميونيخ، طرحت مخاوف كبيرة من أن سلاحاً استراتيجياً قد يغير ميزان القوى على الساحة البحرية في الشرق الأوسط قد وصل إلى «حزب الله»، وأن هذه المعلومات تمّ تداولها بين عدّة أجهزة استخبارات وتستند الى ما وصف بـ«مصادر جيدة جداً». وبحسب هذه المصادر يضيف الكاتب الإسرائيلي فقد نجح «حزب الله» على الرغم من المساعي الكبيرة لإسرائيل لمنعه من ذلك في تهريب أعداد من صواريخ «ياخونت» عن طريق سوريا.

هذه المعلومات من شأنها أن تفرمل أي اندفاعة إسرائيلية في اتجاه القيام بأي عدوان خصوصاً وأن قصف «حزب الله» لباخرة «ساعر» العسكرية ما زال ماثلاً امامهم، وهم يتخوفون من ان السلاح الجديد الذي بات الحزب يمتلكه بات يُشكّل تهديداً حقيقياً وجدياً على حرية ابحار سلاح البحرية الإسرائيلية، إضافة الى الخوف من ضرب حقول الغاز.

كل هذه المخاوف الإسرائيلية يلمسها «حزب الله»، وهو يتصرف على هذا الأساس، مع وعي تام وإدراك كبير لإمكانية قيام إسرائيل بأية مغامرة عسكرية مستفيدة من الظروف السيئة الموجودة في المنطقة، وكذلك من التطور الجديد الذي طرأ على مستوى التعاطي الاميركي مع الجانب الإسرائيلي في ظل مجيء الرئيس ترامب الذي من الممكن ان يُشجّع إسرائيل على اي عمل للتغطية على خيبات الامل التي اصيب بها منذ اللحظة الأولى لدخوله البيت الأبيض، والتي ربما تبقى تلاحقه نتيجة الإشكالية التي ترافق المواقف والإجراءات التي قام بها حتى الساعة، والتي لا تروق لشريحة كبيرة من الشعب الأميركي.

ومع أن كل المعطيات الموجودة لا توحي بإمكانية حصول صدام بين تل أبيب و«حزب الله»، فإن ثمة من يقول بأن هذا الصدام سيكون حتمياً آجلاً أم عاجلاً، إذ أن اسرائيل ترى أن «حزب الله» بعد أن تضع الحرب السورية اوزارها سيعود إلى لبنان ويتصرف على أساس انه المنتصر، وانه بات يُشكّل رقماً يحسب له الحساب في المنطقة، وهذا بالتأكيد لن يروق للاسرائيليين الذين يسعون لتكون إسرائيل القوة العظمى في الشرق الأوسط، وهو ما يدعو الى الخوف من أن تلجأ إسرائيل الى توجيه ضربات للحزب لفرملة اندفاعاته في المنطقة، وبالتأكيد سيكون لمثل هذه الخطوة ثمن، فهل ستكون اسرائيل قادرة على تحمل هذا الثمن، وهل ستكون قادرة على تحمّل وزر ما ستقوم به وردّة الفعل المحتملة من قبل «حزب الله»؟ إن قابل الأيام سيحمل إلينا حتماً أجوبة واضحة على طرح هذه الأسئلة.