أبعد من قانون الإنتخابات النيابية، مشكلةُ خصوم الرئيس سعد الحريري أنَّه دائماً لديهم عقدة سياسية من حجمه السياسي، لذا فإنَّهم في كلِّ محطةٍ سياسية يُظهرون العرقلة لتخفيض هذا الحجم قدر ما يستطيعون، ويظهر ذلك من خلال أداءٍ معيّن حياله:

قبل انتخابات الرئاسة قالوا:

إنَّ الإتفاق على وصول العماد ميشال عون إلى قصر بعبدا لا يعني بالضرورة وصول الرئيس سعد الحريري إلى السراي الحكومي.

حين وصل العماد عون إلى قصر بعبدا وبدأت تسميةُ الرئيس سعد الحريري لتشكيل الحكومة، لم يسمّوه في مرحلة استشارات التكليف، بل أوحوا كأنَّهم في المعارضة على رغم أنَّهم عادوا وشاركوا في الحكومة.

حين بِدْءِ وضع البيان الوزاري، حاولوا خلقَ عقدةٍ في الموضوع فأحرجهم الرئيس الحريري بأن أعلن اعتماده خطاب القَسَم كخطوط عريضة لصياغة البيان الوزاري، فأُحرجوا وصدر البيان الوزاري.

اليوم يحاولون قدر المستطاع عرقلة أيِّ مشروع قانونٍ للإنتخابات النيابية، فما إن يُطرَح مشروع قانون حتّى يتم إسقاطه تحت ألف حجةٍ وحجة، وكم من مشروع قانون كان يصل إلى 99 في المئة من خواتيمه حتى يُعاد النقاش فيه إلى النقطة الصفر، وكأنَّ هناك قطبةً مخفية، وهي عملياً لم تعد مخفية، من أجل عرقلة القانون الجديد إلا وفق ما يريده هؤلاء الخصوم.

***

خصومُ الرئيس الحريري يجاهرون بأنَّهم يريدون قانون انتخاباتٍ على قاعدة النسبية الكاملة، وهُم يعرفون أنَّ معظم القوى الرئيسية في البلد تعارض النسبية الشاملة، التي لا يمكن تطبيقها إلا في بلدٍ تسيطر فيه الدولة على كلِّ أراضيها سيطرةً كاملة، ولا قوة أخرى تشاركها في هذه السيطرة.

الرئيس الحريري يردُّ على النسبية الكاملة بالقانون المختلط الذي يجمع بين الأكثري والنسبي، وهذه الصيغة كان اقترب المعنيون من التوصُّل إلى إتفاقٍ حولها، ويذكر الجميع أنَّ أحد الأقطاب كان زفَّ إلى الرأي العام قرب التوصُّل في اللجنة الرباعية إلى اتفاقٍ على القانون المختلط وكان هناك بعض الرتوش عليه، ففوجئ الجميع بموقف خصوم الرئيس الحريري برفض القانون المختلط والجهر مباشرة ومن دون التباس بالنسبية الكاملة، على أساس أن يكون لبنان دائرةً انتخابيةً واحدة.

***

الرئيس سعد الحريري يُدرك هذه الحقائق ولا سيَّما منها حقيقة أنَّ المطلوب تحجيمه، سواء بمحاولات الفيتو عند تشكيل الحكومة أو من خلال قانون انتخابات يُسهِّل تمرير خصومه في صناديق الإقتراع.

خصومه يعرفون أنَّ ليس بالإمكان هزيمته في صناديق الإقتراع، لأنَّه زعيم التيار الوحيد العابر للطوائف والمناطق، أما الآخرون فليس لهم حضورٌ خارج طوائفهم، وهذه هي مشكلتهم الحقيقية معه.

لهذه الأسباب فإنَّهم يحاولون أن يعوِّضوا في القانون ما لا يستطيعون أخذه من الطوائف الأخرى أو من صناديق الإقتراع، فيما الرئيس الحريري لا مشكلة عنده لا مع الطوائف الأخرى ولا مع صناديق الإقتراع.