على هامش الأزمات المتعددة التي تمر بها الساحة اللبنانية، هناك ملف تسعى جميع القوى للإبتعاد عنه أكبر قدر ممكن، يتناول المقاتلين في بؤر التوتر الإقليمية، إلا أن هذه القضية ربما تعود إلى طرح نفسها بقوة أمام المعنيين في أي وقت، حيث ستكون مادّة سجال كبيرة بين مختلف الأفرقاء.

حتى اليوم، يتم التركيز على دور "حزب الله" في الحرب السورية، بعد أن أخذ القرار بالذهاب إلى هناك للقتال إلى جانب الجيش السوري، من دون أن يطلب الإذن أو التنسيق مع الأجهزة الرسميّة، لكن هذه القضية يتم الإشارة إليها عادة بأنها موضوع "ربط نزاع" بين الحزب والجهات المعارضة له في فريق 14 آذار، لا سيما تيار "المستقبل"، بينما تعمد بعض الدول الإقليمية والدولية إلى التطرق إلى هذا الأمر بشكل شبه دوري، وهي ذهبت إلى وضع الحزب على قوائمها للمنظمات "الإرهابية".

في هذا السياق، تشير مصادر سياسية مطلعة، عبر "النشرة"، إلى أن التعاطي الرسمي مع هذا الملفّ يمكن الإستدلال عليه من مواقف رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، بالإضافة إلى وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل، من خلال الحديث أن هذه القضية أكبر من القدرات المحلية، والإشارة إلى أن الحزب ليس وحده الذي يشارك في القتال على الساحة السورية، والتأكيد على أن مشاركة أي فريق في هذا الصراع لم تكن خيارا رسميا صادرا عن الدولة اللبنانية.

وتلفت المصادر نفسها إلى أن التعاطي الرسمي مع هذا الملف لا يمكن أن يكون إلا بهذه الطريقة، خصوصاً أن الجميع يدرك أن الأزمة السورية باتت متفرعة إلى حد بعيد، وهناك الكثير من القوى الدولية والإقليمية التي تشارك فيها، تحت عنوان "الحرب على الإرهاب"، وبالتالي لا يمكن إلا البقاء في مرحلة "ربط النزاع" التي إختارتها القوى المختلفة للإبقاء على الحد الأدنى من الإستقرار الداخلي، ومنع نقل الأزمة إلى الساحة المحلية.

في المقابل، تبرز مشاركة المئات من الأفراد في القتال إلى جانب المجموعات المسلّحة، خصوصاً في صفوف التنظيمات التي تصنف إرهابية، في وقت لم يتم الإعلان عن أي إحصاء رسمي حول أعداد هؤلاء، لكن اشتداد الحصار الذي تتعرض له تلك الجماعات في بؤر التوتر، بعد التحول الذي حصل في بوصلة الأحداث، يدفع إلى طرح العديد من علامات الإستفهام حول كيفية التعامل معهم.

على هذا الصعيد، تؤكّد المصادر السياسيّة المطلعة أن العدد يتخطى الـ1000، وتشير إلى أن بعضهم تم الإعلان عن مقتلهم خلال الإشتباكات أو بعد تنفيذهم عمليات إنتحاريّة، لكنها تلفت إلى أن أوساطهم الشعبية تعاطت معهم على أساس أنهم "مجاهدون"، وتوضح أنهم ينحدرون من قرى في الشمال والبقاع، بالإضافة إلى خروج أفراد منهم من المخيمات الفلسطينية الموجودة في لبنان.

من وجهة نظر هذه المصادر، التعاطي مع هؤلاء لا يمكن أن يتم على قاعدة 6 و6 مكرر، إلا أنها لا تنفي أن خيار عودتهم سيكون من الملفّات الشائكة، لا سيّما أن هؤلاء من الممكن أن ينقلوا معهم الأفكار التي تبنوها، وأن يقدموا على تنفيذ عمليات إرهابيّة في الداخل اللبناني.

في هذا الإطار، تشدد المصادر نفسها على أن لبنان ليس الدولة الوحيدة المعنيّة في هذا الملف، حيث تلفت إلى أن غالبيّة الدول التي صدرت المقاتلين تعاني من هذه المشكلة، خصوصاً الدول الغربية، وتوضح أن تونس هي أيضاً من الدول العربية التي يشتد السجال فيها بين الأفرقاء السياسيين في المرحلة الراهنة، وتضيف: "الحالة التونسيّة شبيهة إلى حد بعيد بالحالة اللبنانية، مع وجود أفراد يقاتلون في صفوف المجموعات المسلحة والبعض منهم ينتمي إلى فصائل متحالفة مع الجيش السوري".

في المحصلة، قد يظن البعض أن من المبكر البحث عن معالجة هذا الملف، لكن الأكيد أنه سيطرح نفسه بقوة، في المرحلة المقبلة، مع إزدياد شدة الحرب على الجماعات المتطرفة وفي ظل الحديث عن العفو العام، فهل تنجح السلطات اللبنانيّة المعنيّة في التعامل معه؟