تنتهي ولاية مجلس النواب الممدّد له مرتين في 20 حزيران المقبل. يقتضي بحسب المادة 42 من الدستور إجراء الانتخابات خلال الستين يوماً السابقة لانتهاء ولايته. وقّع وزير الداخلية وبعده رئيس مجلس الوزراء مرسوماً بدعوة الهيئات الناخبة الى انتخاب نواب جدد. رئيس الجمهورية العماد ميشال عون رفض توقيع المرسوم لكونه يعارض إجراء الانتخابات وفق القانون النافذ المعروف باسم «قانون الستين» التزاماً منه بوعد قطعه في قَسَمه الدستوري بتشريع قانون جديد يؤمّن «صحة التمثيل وعدالته».

المحادثات الجارية بين كبريات الكتل البرلمانية لم تتوصل بعد الى توافق حول صيغة القانون الجديد. يبدو أنها لن تتوصل الى إنجازه، وبالتالي الى إجراء الانتخابات قبل إطلالة شهر رمضان في 27 أيار/ مايو المقبل. ذلك يؤدي الى وقوع البلاد في فراغ تشريعي وربما انزلاقها الى اضطرابات أمنية.

يقول سياسيون مقرّبون من الرئيس عون إنه واثق، رغم كلّ الخلافات والنزاعات، من إنجاز قانون مقبول خلال المهلة القانونية كي تجري الانتخابات في موعدها. ثقته نابعة من انّ زعماء الكتل البرلمانية يشقّ عليهم البقاء خارج السلطة، لذلك سيقومون بلا كلل بتدوير زوايا خلافاتهم لتأمين صدور قانون مقبول تفادياً لوقوع البلاد في فراغ تشريعي. رئيس مجلس النواب نبيه بري أكّد هو الآخر أرجحية صدور القانون المنتظر قبل تصرّم المهل القانونية.

فريق من السياسيين والمراقبين لا يستبعد، رغم تأكيدات الرئيسين عون وبري، إخفاقَ الكتل البرلمانية في التوصل الى صيغة لقانونٍ ترضي جميع المتزعّمين السياسيين المتصارعين على المصالح والمغانم، وانّ الصراعات الإقليمية المتجدّدة والمستعرة قد تُسهم بدورها في تعقيد مسألة التوافق على قانون مقبول من غالبية المسؤولين والمتزعمين. ذلك قد يؤدي الى عدم إجراء الانتخابات قبل انتهاء ولاية مجلس النواب في 2017/6/20 ما يُوقع البلاد في فراغ تشريعي.

المهوّلون بمخاطر الفراغ كثر. بعضهم يفعل ذلك بقصد الضغط على الذين لا يذهبون مذهبه في مضمون القانون المطلوب. بعضهم الآخر يفتقر الى المعطيات ذات الصلة فيأتي تقديره للأمور ناقصاً او ملتبساً.

الحقيقة ان الفراغ كان سائداً خلال السنوات الاربع الماضية. فقد امتنع مجلس النواب عن الانعقاد، وبالتالي عن التشريع، لفترات زمنية طويلة وكذلك مجلس الوزراء بسبب صراعات اهل السلطة على المصالح والنفوذ. والجدير بالذكر أن الفراغ أعقب إجراء الانتخابات سنة 2009 على اساس قانون «الستين» معدلاً. ربما لهذا السبب نُسب الى الرئيس بري قوله: «قلتُ للرئيس عون إن قانون «الستين» هو الفراغ بعينه». قبل بري كان عون قد صرّح انه بين قانون «الستين» والتمديد لمجلس النواب يفضل الفراغ على الاثنين.

اما وأن بلوغ حال الفراغ ممكن لسبب او لآخر، فإن الحكمة وحسن التدبير يقضيان بضرورة التهيّؤ لهذا الاحتمال ومواجهته، بل الإفادة منه، على نحوٍ يؤدي الى سد ثغرات قوانين الانتخابات المتعاقبة وما أكثرها بغية الخروج من ازمة لبنان المزمنة وبالتالي من الفراغ المتواصل وذلك باعتماد نظام انتخابي عادل وعصري يكفل إعادة بناء الدولة على اسس حكم القانون والعدالة والتنمية.

اقترح لهذه الغاية، بخطوطٍ عريضة، السيناريو الآتي:

.1 اعتبار جميع قوانين الانتخاب منذ الاستقلال غير دستورية لمخالفتها المواد 7 و22 و27 من الدستور، وأن الفراغ في السلطات والمؤسسات السياسية وَقَع مرات عدّة على مرّ العهود، وأنه اليوم نتاج إخفاق المسؤولين والجماعات السياسية المتنازعة في تشريع قانون للانتخابات يحقّق صحة التمثيل الشعبي وعدالته.

.2 اعتبار الرئيس ميشال عون مُلزماً، بحكم قسمه الدستوري وبصفته رئيس الدولة، بمواجهة الفراغ بحلٍ جذري يتمثّل بتنفيذ احكام الدستور ولاسيما المادة 22 منه التي تنصّ على إيجاد مجلسين: الأول للنواب مُنتخب على اساس وطني لاطائفي، والثاني للشيوخ لتمثيل الطوائف.

.3 اعتبار عجز الحكومة القائمة عن إنجاز مشروع قانون انتخابي مقبول دليلاً إضافياً على مسؤوليتها ايضاً عن بلوغ حال الفراغ، الأمر الذي يتطلّب قيام الرئيس عون وحلفائه الداعين الى وضع قانون ديمقراطي عادل للانتخابات بالإيعاز الى وزرائهم بالاستقالة ما يجعل الحكومة مستقيلة بحكم الفقرة ب من المادة 69- دستور لفقدها اكثر من ثلث عدد اعضائها.

.4 يجري، باتفاق الرئيس عون والمطالبين بالإصلاح الانتخابي الدستوري، تأليف حكومة وطنية جامعة من شخصيات وممثلي قوى سياسية متوافقة على وضع نظام انتخابي دستوري عصري على الأسس الآتية:

اعتماد نظام التمثيل النسبي النسبية في دائرة انتخابية وطنية واحدة.

يكون مجلس النواب مؤلفاً من 130 نائباً، مئة 100 منهم يُنتخبون بموجب لوائح مرشحين مناصفةً بين المسيحيين والمسلمين من دون اعتماد التوزيع المذهبي للمقاعد، والثلاثون 30 الباقون ينتخبون وفق التوزيع المذهبي، ويكون لكل ناخب صوت واحد.

جـ عملاً بنظرية «الظروف الاستثنائية تتطلب قرارات استثنائية»، يُستفتى على النظام الانتخابي الجديد، بنصّه الكامل أو بملخصٍ وافٍ عنه، في استفتاء عام يُنظّم بمرسوم يُتيح لكل لبنانية ولبناني بلغ الثامنة عشرة بتاريخ 2016/12/31 حق الاقتراع فيه، ويكون نافذاً بأحكامه بمجرد حصوله على نسبة مئوية تزيد عن خمسين في المئة من مجموع المقترعين.

.5 يجتمع جميع النواب المنتخبين في هيئة مشترعة واحدة ويقومون بتشريع قانونين:

-الأول يقضي باعتبار النواب المئة المنتخبين على اساس المناصفة نواةَ المجلس النيابي المنصوص عليه في المادة22 – دستور، وباعتبار الثلاثين نائباً المنتخبين على اساس التوزيع المذهبي للمقاعد نواةَ مجلس الشيوخ المنصوص عليه في المادة عينها.

– الثاني يقضي بتحديد صلاحيات مجلس الشيوخ باعتماد معظم المواضيع المعتبرة اساسية في الفقرة 5 من المادة 65-دستور وأهمها: تعديل الدستور، الحرب والسلم، المعاهدات الدولية، الميزانية العامة للدولة، الخطط الإنمائية الشاملة، إعادة النظر في التقسيم الإداري للدولة، قانون الانتخابات، قانون الجنسية، قوانين الأحوال الشخصية.

لا مبالغة في أن الرئيس ميشال عون يشكّل، بوطنيته وشجاعته، فرصةً تاريخية لاتخاذ قرارات استثنائية تقتضيها الظروف الاستثنائية محورها نظام انتخابي عادل يعتمد النسبية كمدخل للإصلاح الديمقراطي وإعادة بناء الدولة وفق احكام الدستور.

هل يُقدم الرئيس عون وحلفاؤه القدامى والجدد على اعتماد هذا السيناريو؟