لا تبدو الأجواء المسيطرة على المشهد السياسي والحركة التشاورية للأقطاب المحلية «مريحة» لجهة اقتراب موعد الاتفاق على قانون للانتخابات النيابية المقبلة. فهذا الأمر أصبح معضلة كبرى بعدما تبيّن أن الاغلبية لا تتجه نحو إقرار قانون او تتبارز في عرض الصيغ الأكثر قرباً للتمثيل العادل او تقديم ابتكارات قانونية تذهل المعنيين بتطوّر الدراسات والأبحاث القانونية وتوسيع أفقها لتتناسب مع الدول الأكثر حضارة، بل على العكس فإن المبارزة الوحيدة اليوم أو الكباش هي فقط في البحث عن أساليب او قوانين لتكبير الحصص النيابية بدلاً من المثول للمتغيّرات السياسية والرضوخ لفكرة إنتاج قانون وفق المعايير التي تحترم حرية الناس ولا تكبّل خياراتهم.

لا تبدو أكثر الكتل ارتياحاً في البلاد لأي قانون يتفق عليه المتشاورون «سراً» و«علانية» متحمّسة لقرب موعد الاتفاق على صيغة نهائية تخرج البلاد من هذه الدوامة، كما عبر رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط. ولا تبدو أكثر الكتل نفوذاً كما يصفها خصومها والتي يشكّل عصبها «حزب الله» وجمهوره راغبة في تحويل مسألة اختيار شكل قانون الانتخاب إلى «ثابتة» لا يمكن التراجع عنها كتمسكه مثلاً بالعماد ميشال عون رئيساً للجمهورية لمدة عامين بعد الفراغ الرئاسي. فالحزب منفتح على كل صيغة تخدم فكرة التوافق حتى لو لم تكن صيغة النسبية الكاملة التي يطرحها حتى الساعة. لا تبدو حركة أمل متفائلة ايضاً باقتراب موعد إصدار قانون للانتخابات، ومعها التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية التي تتشاطر والتيار الوطني الحر في مسألة الكشف عن مفاجآت في هذه الدورة الانتخابية، حيث يعتبر فيها العنصر «المسيحي» الأكثر جاذبية هذه المرة.

اللافت أنه وفي لحظة غموض من هذا النوع, تخرج تحالفات وصيغ من المصالحات او حتى الخلافات لتطفو على السطح بين القوى السياسية وتحتل أحاديث الرأي العام والمعنيين فيها، فتؤسس لصورة شحن واضحة تؤثر سلباً على عملية التشاور في القانون وترفع من منسوب الاعتراضات داخل الكتل النيابية التي ستستشعر الخوف تلقائياً بمجرد إلقاء النظرة على التحالفات التي تبصر النور وبهذا الإطار يبدو التحالف بين التيار الوطني الحر ورئيس حركة الاستقلال في زغرتا واحداً من الأمثلة التي شحنت القاعدة الشعبية للمؤيّدين التاريخيين لعائلة فرنجية حتى ولو كانت الممارسة أحد أوجه العملية الديمقراطية ليحضر التساؤل الأساسي حول إمكانية السيطرة على القوى السياسية وإرضائها جميعاً. ففي حالة تيار المردة لفتت رغبة التيار بداية بالبقاء على قانون الستين أفضل من اللااتفاق على قانون، في وقت يعتبر المردة أن قانون المختلط هو قانون يلغي التنوّع عند المسيحيين. القانون المختلط لا يزال بالنسبة للاشتراكيين «تفصيلاً»، حسب قياس القوى المتنافسة والتحالفات الموجودة ولا يزال ايضاً تحالف التيار والقوات اللبنانية في الجيب أحد أبرز الهواجس التي ستؤدي لتغيرات واضحة في هوية الفائزين وإمكانية حصر الصوت المسيحي بتلك الثنائية.

تتعرّض عملية الدراسة والتشاور على قانون الانتخابات للتشويش التي أدت لاهتزازت واضحة اعادت عقارب الساعة الى الوراء بسبب الكشف عن التحالفات السياسية من القوى كلها من دون استثناء ورفع الهواجس لأعلى درجاتها. فلم يعد ممكناً ان تقبل كتلة ما تدرك جيداً أنها ستتعرض لحرب جدية في صندوق الانتخاب أي قانون وهي تدرك سلفاً أنها ستخسر حربها من خلاله. بالتالي كيف سيتفق اللبنانيون على قانون إذا كان مبدأ إرضاء الأطراف والتمسك بالتوافقية اللبنانية هو الصيغة التي تتحكم بإنتاج القانون؟ كيف يمكن الاستمرار في مسالة الارتهان لحسابات كل الأطراف في وقت لا شيء يضمن ان تتعرض البلاد كلها لأنواع المخاطر او الاستهدافات كافة بدءاً من الأمنية وصولاً الى الاشتباكات السياسية المحلية؟

وبالعودة للإعلان عن تحالف التيار الوطني الحر والقوات وحركة الاستقلال التي يمثلها ميشال معوض، فهو واحد من الامثلة الحية التي ستجعل من المردة متمسكاً أكثر بهواجسه، شأنُه شأن باقي الافرقاء على الساحة السنية التي تراقب التحالفات والصيغ المقدّمة.

الإعلان عن التحالفات وشكل المعركة المقبلة بوقت مبكر او يسبق بأقل الحسابات الكشف عن هوية قانون الانتخابات ساهم بالتصعيد الحاصل كله. ففي وقت تتوجه القوى للقبول بصيغة مرضية ونهائية تبرز اعتراضات من جهة مقابلة سريعاً فتعيد عقارب الساعة وتنسف المساعي كلها.

تؤكد القوى السياسية اللبنانية في كل مرة أن مسألة تحقيق التمثيل الصحيح غير واردة وليست طموحاً يُراد به خير البلاد، ويثبت هنا أن موقف الرئيس ميشال عون «عنوة» الذي طرح فيها التصويت الشعبي على قانون الانتخاب هو المنطق العادل الوحيد القادر على إرغام الكتل كافة للامتثال الى رغبة أكثرية الشعب وإبعاد التهمة عن هذا الطرف او ذاك بأخذ البلاد نحو قوانين تتحدى الآخر.

إعلان النيات والكشف عن صورة التحالفات الانتخابية والتحضير للمعارك وشحن الغرائز «قبل الاتفاق» على قانون الانتخاب تكادان تكون سابقة لم تحصل في «أتعس» الدول التي تدّعي الاحتكام للأنظمة الديمقراطية في العالم.