لا تشبه التحديات الحالية التي يواجهها من تبقى من مقاتلين سوريين معتدلين يصنفون كـ"جيش حر" تلك التي واجهوها على مر السنوات الـ6 الماضية. فهم لم يشعروا يوما أنّهم محاصرون الى هذا الحد بخيارات معدودة أحلاها مر. لا يترددون بالحديث عن خطة دولية لانهاء وجودهم لصالح الجماعات المتطرفة تمهيدا لحل الأزمة السورية، من خلال شن حرب كبيرة على الفصائل المصنفة ارهابية والتي باتت مواقعها معروفة ومكشوفة، وبالتالي امكانية "ابادتها" متاحة في حال كان هناك قرار اقليمي–دولي كبير بذلك.

وينشغل هؤلاء المقاتلون في الوقت الراهن بالدفاع عن وجودهم في مناطق سيطروا عليها بوقت سابق في الشمال السوري بحيث تسعى الجماعات المتطرفة وأبرزها "​هيئة تحرير الشام​" التي تشكل "جبهة النصرة" أبرز مكوناتها للسيطرة على مجمل مقرات ومستودعات الفصائل المعتدلة، وهو ما دفع وكالة الاستخبارات الأميركية CIA الاسبوع الماضي الى تعليق تقديم دعم عسكري لمقاتلي المعارضة المسلحة شمال غرب سوريا بحجة تخوفها من وصول السلاح والمال الى أيدي المتشددين. الا أن مصادر قيادية في المعارضة تخشى حقيقة أن يكون قرار تعليق المساعدات جزءا من المخطط المرسوم لتطويقها وتركها فريسة سهلة لجماعات "القاعدة"، وهو ما دفع العشرات لالقاء سلاحهم مؤخّرًا. وبحسب المصادر فقد غادر قسم لا بأس به من المقاتلين الى تركيا بعدما رضخوا لفكرة أنّه تم احراق ورقتهم وبأن صمودهم لن يطول، فيما قرر قسم آخر الانضمام الى الجماعات المتشددة سواء "هيئة تحرير الشام" أو حتى حركة "أحرار الشام" والتي تعتبرها واشنطن أيضا مقربة من "القاعدة" لضمان أمنهم وعدم تعرضهم للاغتيال على أيدي هذه المجموعات!

ولعل ما نُقل عن المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا خلال افتتاح مؤتمر جنيف 4، عن تنبيه وفد المعارضة في حال فشلت المفاوضات من تحول مدينة ادلب الى حلب جديدة، باشارة الى شن النظام السوري وموسكو حملة عسكرية للسيطرة عليها، ليس الا تمهيدا لحصول ذلك عاجلا أم آجلا. اذ ترى مصادر المعارضة أنّه تم الباس ادلب "اللباس الأسود"، وبالتالي فان الغارات التي يشنها التحالف الدولي على مواقع محددة فيها منذ فترة، وأدّت لمقتل العشرات من قياديي "جبهة النصرة" لن تكون الى جزءا أول من خطة بدأت ملامحها تتضح أكثر فأكثر، وهي نتيجة تفاهم روسي-أميركي–تركي، تقضي بحل الأزمة السورية بما يناسب مصالح الدول المذكورة.

وتُقسم هذه الخطة مجموعات المعارضة التي تقاتل في الشمال السوري الى أقسام، "قوات سوريا الديمقراطية" ذات الغالبية الكردية التي تدعمها واشنطن، الجماعات المتطرفة وبالتحديد داعش والنصرة اضافة الى "قوات درع الفرات" المدعومة من أنقرة. ولا يبدو البعض من المقاتلين المعتدلين متحمسين كثيرا للانضمام الى هذه القوات، التي يدركون تماما أنّها تنفذ أجندة تركية، وهو ما ظهر جليا بتركيز اهتمامها على السيطرة على مدينة الباب، لمنع أكراد سوريا من وصل مقاطعتي الجزيرة وكوباني بمقاطعة عفرين.

ولعل نظرة سريعة الى الميدان في الشمال السوري والى كل تعقيداته وتناقضاته، كفيلة بتبيان حجم التدخلات الاقليمية والدولية والتي باتت وحدها ترسم الخطوط والخطط، ضاربة سواء أجندة النظام أو المعارضة عرض الحائط على حساب أجنداتها الخاصة.