لا يوصي النائب ​وليد جنبلاط​ حريصًا. فشبيبتُه في غيبته حفظوا الدرس، وحملوا ما علق في أذهانهم من آخر ما قاله له لهم المعلّم قبيل غربته الظرفية. الرئيس يجول في باريس مستغلًا طقسها الجميل، ووفوده تجول في لبنان مستغلّة الطقس الجميل وغيابَه.

لا تعديلات جذريّة في الموقف الاشتراكي من ​قانون الانتخاب​، بل مجرّد نوايا تعيد القانون المختلط الى الواجهة، لكن مهلًا، ليس أي مختلط بل ذاك الذي يتحكّم جنبلاط بقواعده وآلية سيره.

زيارتان منفصلتان

لا صلة عضوية بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس ومفتي الجمهورية عبد اللطيف دريان سوى أن كليهما نعما بزيارتين منفصلتين من وفدَين اشتراكي وديمقراطي. لا رابط حيويًا بين اللقاءَين البتّة، فلدى الرئيس عباس كلامٌ ولدى المفتي دريان كلامٌ آخر، أما ما يجمع بينهما فلا يعدو كونه حركة ظاهريّة أراد أبناء الجبل او المنتمون اليه سياسيًا وليس درزيًا في الضرورة أن يقولوا: “نحن هنا”، وأن يواظبوا على إظهار ديناميتهم وعدم نومهم أو غفلانهم عن أيّ طرح أو صيغة انتخابيَّين يمكن أن يُنسجا بعيدًا من موقفهم أو من خلف ظهورهم.

رسالة واضحة

ما الذي تغيّر اليوم في الموقف الجنبلاطي إزاء القانون النسبي؟ قد يبدو للوهلة الأولى أن السؤال ينطوي على جوابٍ شديد الإيجابية كونه يحمل صيغة حاسمة بأن تغييرًا ما حتميًا طرأ بالفعل. أما المحصّلة حتى الساعة على ما علمت “البلد” فيمكن اختصارُها في ليونةٍ بارزةٍ يبديها الحزب التقدمي الإشتراكي وانفتاحة على القانون المختلط بشكل مفاجئٍ بعدما استوعب جنبلاط أنّ مزيدًا من التعنّت من شأنه أن يقود البلاد الى الفراغ والشارع الى ثورة خصوصًا أن

رسالةً واضحة كلّ الوضوح بلغت المختارة من القصر الرئاسي، وأغلب الظن نقلها اليها وفدٌ من حزب الله سواء بشكل مباشر او غير مباشر من خلال زيارته الأخيرة الى القصر، مفادُها أن العودة الى قانون الستين من رابع المستحيلات وأن الوعد الذي قطعه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون مطلع عهده الجديد بإنتاج قانون جديد لا بدّ من أن يتحقّق أقله جزء منه حفاظًا على الوعد أولًا وعلى صورة العهد ثانيًا والذي كان جنبلاط شريكًا حيويًا في صنعه وهو من دون أدنى شكّ حريصٌ عليه محليًا ودوليًا".

وحدة المعيار

إذًا تأتي زيارة وفد اللقاء الديمقراطي الى المفتي دريان في سياق استكمال الجولات التي كان الوفد استهلها في القصر وبعدها في عين التينة لإيضاح موقفه من قانون الانتخاب ولتثبيت المُثبَت القائم على رفض النسبية “الشرسة” والقبول بأخرى لا تزرع التوجّسات في قلوب أبناء الجبل الدروز. وفي هذا المجال علمت “البلد” أن القانون المختلط عاد ليتقدّم خطوة بعدما تراجع اثنتين في الأيام القليلة الفائتة وأن جنبلاط لم يعد يبدي تمسّكًا شرسًا وجليًا على الأقل بالقانون الساري ولكنه في المقابل لن يرتضي بالنسبية الكاملة، وبالتالي يمكن الاستنتاج أن البلاد ستذهب قبل الحادي والعشرين من آذار المقبل الى إنتاج قانون مختلط يرضى عنه جنبلاط”. أما المعايير التي ساهمت في ليونة سيّد المختارة فتكمن وفق معلوماتٍ لـ”البلد” في انفتاحٍ مشروط على القانون المختلط، بمعنى آخر مختلط مع معايير موحّدة مع تأكيد سقوط طرح الوزير جبران باسيل، ناهيك عن البحث في مختلط بمعيار واحد مع الأخذ في الاعتبار جملة تساؤلات قصيرة: على أي أساس؟ أين يُعتمَد النسبي وأين الأكثري؟ وكيف توزّع الدوائر؟ كلّ هذه الأسئلة قد تلقى إجابةً صريحة وواضحة قريبًا من خلال مبادرة علمت “البلد” أن جنبلاط نفسه سيُقدِم عليها في الأيام القليلة المقبلة فور عودته من باريس، ولكنه سيطرحها في بادئ الأمر على الأفرقاء كي لا تعرف هي السقوط وهو الخذلان، ويكون مصيرها مصير المبادرات والطروح والصيغ التي سبقتها تحت عنوان “المختلط”. أما تفاصيل هذه المبادرة فتبقى غامضة ومتروكة لجنبلاط وحده، على أنّ ما عُرِف منها أنها ستفاجئ الجميع بصيغةٍ مختلطة وافق جنبلاط أخيرًا على مقاربتها براغماتيًا والنظر اليها من منظور أوسع من جبله ومختارته وطائفته وفق قاعدة “وحدة المعيار".

دفاعٌ مضادّ

جنبلاط سيعود قريبًا. سيكون لديه ما يقوله في إطار حرب دفاعه المضادّ عن أبناء طائفته وتمثيلهم البرلماني. سيكون لديه ما يفجّره من مفاجآتٍ إيجابية تهمُّ العهد الجديد وتعبّد طريقه أمام نجاحٍ جديد بعدما راهن الكثيرون على أن قانون الانتخاب سيكون السقطة الأولى الموجعة للعهد برئيسه الأول ورئيسه الثالث. ربما قد لا تكون الليونة التي يُهمَس عنها في الكواليس الدرزية على قدر تطلعّات الجميع ولكنها من دون أدنى شكّ قد تكون البحصة التي تسند خابية العهد وتحفظ مساره ومصيره في عيون الرأي العام الذي يعلّق عليه كثيرًا من الآمال الانتخابية وينتظر أن يحلّ موعد الانتخابات التشريعية ليمارس حقًا صانه له الدستور ولا يجوز انتزاعه منه أو إرجاؤه الى حين تفصيل الاستحقاق على قياس كلِّ واحدٍ من أبناء الطوائف... وما أكثرهم.