لم تكن علاقة حركة أمل والتيار الوطني الحر طبيعية في السنوات الـ12 الماضية، فمع كل استحقاق كانت تظهر التباينات بين الطرفين الى حدّ يصل للمقاطعة، والحليف الشيعي للتيار لم يستطع تغيير هذا الواقع حتى في استحقاق هام كالانتخابات الرئاسيّة. ولكن ما يظهر للعيان ليس كلّ الحقيقة، فاللقاءات الثنائية قطعت شوطا هاما نحو توقيع "تفاهم" سياسي.

في السابق لعب أحد رجال الاعمال الجنوبيين دورا في جمع "أمل" و"الوطني الحر"، فشهد مكتبه عددا من اللقاءات التي سهّلت تجاوز بعض المطبّات السياسية، ولكن هدف لقاءات وزير الماليّة ​علي حسن خليل​ ووزير الخارجية ​جبران باسيل​ التي بدأت قبل الانتخابات الرئاسية، والتي شكّل مدير عام الأمن العام اللواء ​عباس ابراهيم​ عرّابا لها بعد الانتخابات، اصبح أكثر وضوحا، فالنيّة تكمن بالوصول الى "اتفاق" مكتوب يتضمّن نقاطا أساسية، تقول المصادر لـ"النشرة". وتضيف: "لا يمكن الحديث عن ورقة تفاهم إن كان المقصود تشبيهها بورقة التيار وحزب الله، والتوصيف الدقيق لما سيصدر لم يُحدد بعد، خصوصا وأن عبارة "ورقة تفاهم" دون تحديد العنوان، تعني اتفاقا شاملا على السياسة والاقتصاد والأمن والاستراتيجيا وهذا لم يتحقق بعد بين "أمل" و"الوطني الحر".

هدف اللقاءات بحسب المصادر المطّلعة هو أولا كسر الجليد في علاقة الطرفين، مضيفة أن التيار الوطني الحر طلب تدوين النقاط التي يوجد حولها تفاهمات مع "أمل" لتحكم علاقة الفريقين، ولإضعاف النقاط القليلة المختلف عليها. وتقول المصادر: "إن أبرز الملفات التي يجري بحثها اليوم هي قانون الإنتخاب، التعيينات الادارية والعسكرية، ​ملف النفط​، البحث عن آلية للتفاهم والنقاش بالملفات المطروحة والحوار الوطني".

انطلق البحث في قانون الانتخاب بين "أمل" و"الوطني الحر" قبل انتخاب الرئيس عون، وكان التفاهم يومها قريبا من "الإكتمال" حول قانون "التأهيل" على مستوى القضاء، ولكن ما رافق الانتخابات الرئاسيّة عطّل اللقاءات، ليبدأ باسيل من بعدها البحث في قوانين اخرى. وهنا تشير المصادر الى أن النقاش بين الجانبين مفتوح على كل الاحتمالات التي تشكل "النسبية" معيارها الاساسي، وأن أفكار الفريقين ليست متباعدة ولم تكن يوما كذلك في هذا الملف.

أما بالنسبة لملف ​التعيينات العسكرية​ والادارية، فتشير المصادر الى أن التعيينات العسكرية لدى الطائفة الشيعيّة لن تشكل عقبة، وبالتالي لن يكون صعبا أبدا التوصل لتفاهم مع التيار الوطني الحر حولها، فمدير عام الأمن العام سيبقى على حاله مع فارق بسيط هو انتقال اللواء ابراهيم من الضفة العسكرية الى المدنية، وفيما يخص مركز نائب مدير جهاز أمن الدولة والذي كان يشغله العميد ​محمد الطفيلي​ فسيكون من نصيب العميد سمير سنان. وتضيف المصادر: "بعد الأمن العام وأمن الدولة، نصل الى رئاسة فرع الأمن العسكري في ​شعبة المعلومات​ وهنا سيصبح رئيسها الحالي العميد سعيد فواز عضوا في مجلس قيادة قوى الأمن الداخلي وسيتم تعيين بديلا عنه شخصية شيعّية لا تزال مجهولة". وفي سياق متصل أصبح محسوما أمر تعيين العميد ​عماد عثمان​ مديرا عاما لقوى الأمن الداخلي، كذلك يجري البحث في ثلاثة أسماء لاستلام رئاسة شعبة المعلومات. وتلفت المصادر النظر الى أن حساسية الوضع الامني وعلاقته بكافة القوى اللبنانية يجعل من "التفاهم" على التعيينات العسكرية من الأمور الضروريّة، والّتي تتجّه نحو "تعيينات سلسة بعد ان يقدم كل الأفرقاء الأسماء التي يرونها مناسبة". وفيما يتعلق بالتعيينات الإدارية فتكشف المصادر أن المواصفات التي فرضتها وزارة التنمية الإدارية حصرت دائرة الاختيارات بعدد محدود من الاسماء لكل مركز وهذا ما يجعل عملية التعيين أسهل.

من ضمن الملفات التي تُبحث، يأتي الملف النفطي، الّذي عرقل علاقة "أمل" و"الوطني الحر" أشهرا طويلة، ولكن اجتماعا ضم باسيل ورئيس المجلس النيابي نبيه بري في عين التينة ادى "لاتفاق نفطي" سيتم استكماله في اللقاءات الجارية، وفيما خص "الحوار الوطني" فتشير المصادر الى أن بري يطالب بعودة طاولة الحوار من باب قصر بعبدا وبرئاسة عون، كون "الحوار" حاجة وطنية للحفاظ على الاستقرار السياسي في لبنان، مشيرة الى أنّ "الورقة" ستتضمن تأكيدا على مبدأ الحوار وضرورة عدم انقطاعه تحت أي ظرف من الظروف.

يتضمن الاتفاق بين حركة امل والتيار الوطني الحر "التأكيد" على خطوط استراتيجية عريضة شكلت نقاط التقاء بين الحزبين في عز الخلاف السياسي، أبرزها العداء مع اسرائيل ودعم المقاومة والجيش الوطني ورفض الاقتتال الداخلي. إن هذا الاتفاق الذي قطع شوطا كبيرا بحاجة الى لمسات اخيرة قبل تظهيره بطريقة "لم تُحسم بعد"، وسيكون بعد الإعلان عنه "حصنا" اضافيا للعهد الجديد.