يبدو جلياً أنّ الرئيس التركي ​رجب طيب أردوغان​ ينعطف مجدداً نحو الإدارة الأميركية الجديدة بعد أن لمسَ غزلا منها حيال بلاده.

تغلي منطقة الشرق الأوسط منذ وصول ​دونالد ترامب​ الى الرئاسة فوق برميل بارود... كانت اولى تصريحاته وقراراته تصب في خانة الهجوم وغير المفهوم ضد ​ايران​، قابل ذلك غزل غير مفهوم ايضا لدول الخليج وعلى رأسها السعودية.

بعد التودّد ل​روسيا​ وايران عقب الانتصارات العسكرية لمحور المقاومة في سوريا والعراق ضدّ التنظيمات الإرهابية؛ ها هو اردوغان يكشف طبعه المتقلّب ويرمي سهام اتهاماته على ايران. أي على الدولة التي ساندته مرات عديدة وخصوصا بعد ما سُمِّي بالانقلاب الفاشل. في المشهد الجديد ما يلي: بدء تحالف أميركي خليجي-اسرائيلي بوجه ايران يسعى أردوغان للإِنْضِمام إليه، وليس الاردن ببعيد عنه.

هل ثمة ما يوحي بخطوات عسكرية ضد ايران؟. لا شكّ أنّ اسرائيل المستفيدة الأكبر ممّا يجري من دمار في المنطقة تسعى الى المواجهة .

انقلب المشهد من حرب على الإرهاب إلى حرب على "التمدّد" و"النفوذ "الإيرانيين، على حد توصيفات كل من اردوغان ورئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو لدور ايران. ها هو اردوغان الحالم باستعادة مجد عثماني سلجوقي (كما صرح هو نفسه مرارا وكما قال وزير خارجيته احمد داوود اوغلو في كتاب العمق الاستراتيجي) يحلم على ما يبدو بتجديد الصراع العثماني-الفارسي بعدما فشلت كل أساليب صراعه السابق وتحالفاته السابقة.

الدولتان تتبادلان الاتهامات: انقرة تتحدث عن تمدّد لنفوذ ايران ومحاولة تشييع في كل من العراق وسوريا، وطهران تردّ قائلة ان اردوغان ناكر للجميل وان مشروعه توسّعي.

يراد للصراع بين محور مقاوم وآخر مهادن ومتخاذل، ان يتحوّل الى صراع سني-شيعي. ما عادت اسرائيل بالنسبة للنظام العربي التقليدي والمتهاوي هي العدو. صار الصراع العربي-الايراني والعربي-العربي والاسلامي-الاسلامي، ادوات جديدة للمشروع الاسرائيلي. لا بأس ان يلعب اردوغان الدور البارز في هذا السياق، فعلاقة اسرائيل بتركيا لم تعرف كل هذا التوسع الا في عهد الاسلاميين الاتراك قبل ومع حزب العدالة والتنمية الذي يقوده اردوغان. (لو قرأنا كتب الزميل محمد نور الدين لعرفنا أكثر).

إنّ هذا الحلم العثماني المتجدد ياتي بعد تطوارت عديدة، ابرزها:

-فشل مشروع تفتيت وتقسيم سوريا والعراق ومصر و لبنان واليمن وغيرهم...

-فشل اسرائيل عسكريا في خلع المقاومة العسكرية في لبنان ونزع سلاح حزب الله. وها هي المقاومة اقوى من اي يوم مضى باعتراف اسرائيل نفسها.

-فشل المؤامرة الدولية والاقليمية ضد سوريا وانهيار محاولة كسر ظهر المحور بسقوط الرئيس السوري بشار الأسد أوّلاً، وتسليم الأرض السورية للفصائل الإرهابية مرحليا" وفق قاعدة "التوحّش" التكفيريّة تمهيداً لمرحلة حكم عربي-عثماني.

لم يبقَ إِلَّا الركن الإيراني كمرحلة أخيرة قبل المعادلة الإقليمية الدولية الجديدة ليصار إلى الضغط عليه في كل الاتجاهات.

في الواقع، إنّ الرهان على خطوات عسكرية ضدّ ايران فيه الكثير من المغالاة. فالحقبة التاريخية التي كانت الإدارات الأميركية تقرّر مع حلفائها في الخليج العربي مصير المنطقة ولّت .لماذا؟.

أوّلاً-لأنّ روسيا فرضت ذاتها لاعبة إقليمية دولية لها من النفوذ والقوة ما لا يمكن تخطيه.

ثانياً-لانّ ايران تمتلك تقنيات عسكرية وقدرة على الاكتفاء الذاتي وموارد لا يمكن الرهان على هزيمتها أو حصارها.

ثالثاً-لأنّ لايران في البلدان العربية أذرع مقاومة تمتلك من العتيد والعتاد ما يجعلها قوات وحركات مقاومة وطنية وإقليمية ترتبط في ما بينها عقائديا وعسكريا بشكل يصعب تفتيتها.

رابعاً-لانّ في اسرائيل خللاً كبيرا إدارياً وتنظيمياً على المستويات السياسية والعسكرية، ظهر بعد حرب تموز 2006، لا يمكن في ظله الرهان على خوض حروب جديدة تهدِّد الوجود الإسرائيلي. (راجع تقرير فينوغراد).

خامساً-السعودية خاضت حرباً استنزافية في اليمن لا يمكنها بعدها أن تعوّل على تجربة أخرى قد تنهك أكثر الإقتصاد السعودي.

سادساً-اهتزاز الثقة الخليجية بأردوغان بعد انعطافته نحو روسيا.

سابعًا-تداخل المصالح الإقتصادية بين تركيا وايران يشير الى تهدئة وشيكة للنزاع السياسي الحاصل.

ثامنا-يبدو أن الصين المرتبطة استراتيجيا سياسيا بروسيا تلعب دوراً محوريًّا صامتا في معادلة النفوذ الدولية، ما دفع بالرئيس الأميركي الجديد الى تحييدها عن حدّة خطاباته ومواقفه. هي لا شكّ قوّة رادعة ضدّ أي حرب على ايران. (لا ننسى ان الصين وايران موقّعتان على اتفاقية عسكرية ودفاعية وحجم التبادل بينهما مرشّح لأن يصل الى 600 مليار دولار في السنوات العشر المقبلة).

تتعدّد أكثر سبحة أسباب استبعادنا لضربة عسكرية مباشرة لإيران ولأنّ محاولات ليّ أذرعها المقاومة لن تنكفئ، طالما لا وجود لوسيط حقيقي يلعب دور قناة التواصل بشأن إيجاد حل جذري لأزمة سوريا والعراق واليمن من جهة، ولإنهاء حالة الصراع المذهبي من الخطابات والقناعات السياسية من جهة ثانية (باستثناء بعض المساعي العُمانية والكويتية). فإنّ المرحلة المقبلة، اذا، ستشهد إمّا تدخلا روسيا-صينيا حازماً لحل العقدة الإيرانية من الخطاب السياسي الدولي وإمّا نحن مقبلون على وجه آخر لسقوط بعض الأنظمة.