في ظل التطورات التي تشهدها الساحة السورية، لا سيما على مستوى محاربة الإرهاب ولعبة تقاسم النفوذ بين القوى الكبرى، يبدو أن الولايات المتحدة حسمت إلى حد بعيد الجزء الأكبر من خياراتها بالنسبة إلى عملية تحرير مدينة الرقة من عناصر تنظيم "داعش"، وقررت إرسال المزيد من الجنود إلى ميدان المعركة بشكل واضح وعلني لا لبس فيه، بعد أن كانت المعلومات تتحدث في السابق عن قواعد عسكرية لا يتم الإعتراف بها رسمياً.

ضمن هذا الإطار، جاء إعلان المتحدث باسم التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب ستيف وارن عن إرسال الولايات المتحدة وحدة مدفعية إلى سوريا، بالإضافة إلى إرسال نحو 400 جندي أميركي خلال الأيام الماضية، في حين كانت بعض وسائل الإعلام قد نقلت عن مسؤول أميركي رفيع المستوى، أول من أمس، أن بضع مئات من جنود مشاة البحرية "المارينز"، المزوّدين بالمدفعية الثقيلة، جرى نشرهم في سوريا استعداداً لمعركة طرد "داعش" من معقله في الرقة.

في هذا السياق، يعتبر هذا التوجه نحو الإعلان الرسمي، عن توسع رقعة العمليات العسكرية، إشارة بارزة إلى رؤية الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب، الذي كان قد أعلن سابقاً عن نيته إقامة مناطق آمنة في سوريا، في حين كان الرئيس السابق باراك أوباما يرفض هذا الخيار، ويؤكد أنه لا ينوي إرسال جنود إلى قلب المعركة مع التنظيمات الإرهابية، مع العلم أن واشنطن كانت قد أقدمت على مثل هذه الخطوة خلال معارك كوباني والرمادي ومؤخراً الموصل، إلا أن هذا الأمر كان يتم على وجه السرعة قبل أيام قليلة من إطلاق العمليات العسكرية الفعلية.

إلى جانب ذلك، تدرس الولايات المتحدة خيار نشر ما يصل إلى 1000 جندي في الكويت، كقوة احتياطية في الحرب على "داعش" في سوريا والعراق، وهي باتت تعلن بشكل واضح أنها ستعتمد على الفصائل المحلية المتحالفة معها بشكل رئيسي، مع العلم أن ترامب كان يتحدث في السابق عن نيته دفع بعض الدول العربية الإسلامية إلى التعاون معه في هذه المعركة.

إنطلاقاً من هذا الواقع، لا يمكن وضع إنتشار المزيد من الجنود الأميركيين على الأرض السورية في سياق ضمان عدم إقتتال الحلفاء فقط، لا سيما الفصائل المنضوية ضمن عملية "درع الفرات" المدعومة من قبل الحكومة التركية و"​قوات سوريا الديمقراطية​"، بل هو مقدمة نحو المعركة الكبرى في الرقة، والتي على ما يبدو باتت قريبة بعد نجاح "سوريا الديمقراطية" في قطع الطريق الذي يربط الرقة بدير الزور، لا سيما أن ترامب يحتاج إلى إنتصار معنوي يعيد بعض الثقة إليه في ظل الحرب التي يخوضها مع خصومه على الساحة الداخلية.

ما تقدم، يقود إلى معادلة واضحة هي أن الملف السوري في المرحلة المقبلة سيكون في يد "البنتاغون" بشكل أكبر، على عكس ما كان الوضع عليه في الإدارة السابقة حيث كان يبرز دور وزير الخارجية جون كيري، مع العلم أن وزارة الدفاع تقف وراء إفشال مشروع إتفاق روسي أميركي سابق كان كيري عرابه إلى جانب وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، من خلال الغارات التي قامت بها طائرات تابعة للتحالف الدولي ضد مواقع للجيش السوري في دير الزور.

في ظل هذه المعطيات، من الممكن فتح باب النقاش على خطة "البنتاغون" لهزيمة "داعش"، التي جرى الإعلان عن إرسالها إلى البيت الأبيض في نهاية شهر شباط الماضي، لكن لم يتم الكشف عن بنودها حتى الآن، حيث بات من الواضح أنها ستتضمن إرسال المزيد من الجنود إلى أرض المعركة، بالرغم من أن الحديث الراهن هو أن هؤلاء الجنود لن يقاتلوا في الصفوف الأمامية بل سيتولون مهمات تقديم الدعم والإسناد والإستشارة.

في المحصلة، "المارينز" دخلوا إلى قلب المعركة على الساحة السورية، في سياق الخطة الهادفة إلى تكريس نفوذ الولايات المتحدة في المناطق التي ترغب بأن تكون تحت سيطرتها بعد طرد "داعش" عنها، ما يفتح الباب أمام جملة واسعة من التساؤلات ستكون الأيام المقبلة كفيلة بالإجابة عنها.