أكدت وزارة الدفاع الأميركية ما يتم تداوله حيال التنسيق بين ​روسيا​ وأميركا بشأن العمليات العسكرية التي تجري في سوريا. حيث أعلن "البنتاغون" صراحة ما يلي: "إنّنا ننظم التنسيق فيما بيننا لتفادي وقوع نزاعات، وبالطبع نحن نعرف ما يفعله الروس، فهم يبقوننا على علم بشأن عملياتهم".

أتى هذا الإعلان بمعرض ما يجري في منطقة مدينة "منبج"، لكنّه لا يستثني أيًّا من مناطق النزاع الأخرى بما فيها المناطق المحظورة (وأيضاً بالتنسيق أو بالترهيب) وهي المناطق الخاضعة لسيطرة الدولة السورية .

في مؤتمر صحفي عقده المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية "ايغور كوناشينموف" في تشرين الأول من العام المنصرم، حذّر من توجيه أي ضربات صاروخية أو جوية للمناطق التي تسيطر الدولة عليها لما يشكل ذلك من خطر على العسكريين الروس.

التحذير موجه "للتحالف" بقيادة ​الولايات المتحدة​ الأميركية فعلياً، وبشكل مباشر طالما أن "دولية" "التحالف "أو "الإئتلاف" محل جدل واقعي وقانوني دولي في ظل عدم توقيع معاهدة بشأنه.

يبدو أنّ تركيا غير معنية بهذا الإتفاق الضمني الذي يضرّ بمصالحها المأمولة في كلّ من سوريا و العراق. فيعلن الرئيس التركي رجب الطيب أردوغان أن "منبج" ستكون هدفاً ثانياً للجيش التركي بعد مدينة الباب بريف حلب اذا لم يغادرها المقاتلون الأكراد .

إذاً، إعلان سوريا بأن تركيا تنتهك السيادة السورية ووجودها على أراضيها دون التنسيق معها هو احتلال ، تضربه تركيا عرض "الباب" غير آبهة.

ماذا يعني ذلك؟، إنّ تركيا التي تعاني من توتّر في علاقاتها مع بعض دول الإتحاد الأوروبي خصوصًا من خلال الحدّة التي بلغت ذروتها مؤخراً مع هولندا، وصولا الى حدّ تهديد أردوغان حدّ لهولندا بالتأنيب؛ تريد أن توّكّد أنها قوة إقليمية لا يمكن التهاون بالتعامل معها وإجراء الصفقات خارج إطارها، هذا من جهة. من جهة أخرى، تريد تركيا لوجودها العسكري في سوريا غطاء وذريعة أخرى غير محاربة "داعش"؛ تعلن فيها محاربة الأكراد على الأرض السورية.

ففي عصرنا هذا، حرب عنصرية إثنية عرقية تقودها تركيا ضد الأكراد على الأرض السورية... ماذا سيكون موقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب منها؟.

إنّ تهديد تركيا هذا، الآتي بعد الكلام المهين الذي وجهه أردوغان للعراق بالقول أنّه يدخل العراق وقت يشاء؛ كما تهديده الجديد لهولندا يشير إلى التالي:

إنّ سياسة أردوغان لم تعد تلاقي آذاناً في الفلك الأميركي-الروسي ولا في الفلك الأوروبي. فإذا كان الإتفاق الضمني قائماً على حماية نفوذ القوتين العظميين في هذا الشرق، بدءا من نفوذ روسيا وحليفتها الدولية ايران في سوريا مع بقاء الرئيس السوري بشار الأسد، والاعتراف بالدور المقاوم للإرهاب لحزب الله (كما أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف)، وبالمقابل تساهل روسيا مع النفوذ الأميركي في العراق؛ وبدء الحلول لأزمة اليمن؛ فإنّ تركيا ومعها ​اسرائيل​ لا يروق لهما هذا الوضع.

إنّ مباشرة الولايات المتحدة الأميركية بإنشاء قاعدة عسكرية في شمال شرق سوريا، بالقرب من مدينة "الحسكة" على بعد 70 كيلومترا من الحدود مع تركيا، و50 كيلومترا من الحدود مع العراق والمساعدة التي توفرها واشنطن لـ"قوات سوريا الديمقراطية"، وجدت تركيا في ذلك خطوة لحماية اسرائيل وإجراء تمهيدي لإقامة إقليم كردي؛ كما صرّحت النائبة السابقة في البرلمان التركي "أويا اكغونيس" لوكالة "سبوتنيك". هل تحاول تركيا بعد ضعضعة سياساتها؛ استمالة بعض العرب بالهجوم الكلامي على اسرائيل؟ وهل فعلاً هذه القاعدة العسكرية تحمي اسرائيل ام تحمي المصالح الأميركية في العراق، أم الإثنين معاً؟ أم هي خطوة لشيء من التقسيم في سوريا يبدأ بالمناطق الكردية؟ أو ربّما خطوة نحو تحقيق "المناطق الآمنة"؟.

صحيحٌ أنّ الاتفاق الضمني الأميركي-الروسي-الإيراني واضح في بعض أوجهه؛ وإن كان مرحلياً في السياسة الاستراتيجية لإدارة الأزمات ولا يرتقي إلى مستوى ضرب التحالفات الجوهرية، لا سيما بين أميركا واسرائيل؛ لكن يبدو أنّ تداعيات هذا الإتفاق لن تكون سهلة مع كل من تركيا واسرائيل .

تركيا تورّطت عسكريا في سوريا والخروج منها لن يكون دون مقابل. هذا إن خرجت. والبقاء فيها لن يكون على دروب من ياسمين .

أمّا اسرائيل فتواصل حربها الباردة وتصعيدها بوجه حزب الله ولبنان. هل تسخن الجبهة؟ أم أن الغطاء الأميركي غير موجود لإشعالها؟

هل تهمد جبهتا سوريا والعراق لانتقال الصراع إلى دولة أخرى ونظام آخر؟ طبعاً الجواب ليس في مؤتمر آستانا، وليس في القمة العربية لجامعة عربية تغرق في حرب المصطلحات والاعتبارات .ربّما المؤتمر الّذي يُحضّر له في واشنطن لانعقاده قريبا حول مكافحة الإرهاب سيحمل الكثير من المفاجآت؛ وربّما تعود الأرض السورية لتخلق مفاجآت أكبر.