اظهرت الاجهزة الامنية والعسكرية اللبنانية انها قادرة، عندما تتوافر النوايا السياسية وتؤمّن لها الغطاء اللازم، ان تتميّز في مواجهة الارهاب والارهابيين، في الميدان وخارجه. وحين تم الحديث عن الامن الاستباقي، اعتبر الكثيرون انه صعب التحقيق ولن يثمر، ولكن المعطيات اثبتت العكس. يعيش لبنان حالياً فترة من القوة المعنوية، ويحق له التباهي بالانجازات الامنية التي حققها ويحققها ضد المنظمات الارهابية التي تترصد باللبنانيين، وقد منعت هذه الاجهزة بالفعل العديد من العمليات الانتحارية وفككت خلايا كثيرة، كما عمدت الى قطع قنوات مدّ هذه المنظمات بالحياة وتأمين القدرة لها على الاستمرار على صعيدي التجنيد والتمويل.

لا يمكن الحديث طبعاً عن انتصار كلّي على الارهاب، لانها مسيرة لا تتوقف ولا نهاية لها، ولكن يمكن في المقابل الحديث عن تفوّق لبناني في هذا المجال، يعزو البعض الفضل فيه الى جهات خارجية ولكن الحقيقة ان التعاون مع اجهزة اقليمية ودولية ليست حكراً على لبنان ولا هي نقطة ضعف، بل نقطة قوة ولكن العبرة تبقى في القدرة على المتابعة والتنفيذ. في فترة سابقة، كانت الشكوى من عدم التنسيق بين الاجهزة الامنية، ورأى الكثيرون ان هذه المشكلة كانت وراء سهولة اختراق الارهابيين شبكة الامان اللبنانية.

وجهة النظر هذه جديرة بالاخذ بها، لانها بمثابة قاعدة عامة بسيطة، فتعدد الاجهزة دون تنسيق بينها يجعل بيئتها مكشوفة وعرضة للاختراق في اكثر من مكان، بدلا من التكاتف والتضامن والمساعدة على سدّ الثغرات وتحصين مكامن الضعف. على اي حال، فإن الحرب الامنية لم تعد تخيف اللبنانيين كما في السابق، حتى ان المولجين افشال مخططات الارهابيين انتقلوا الى الهجوم بدل الاعتماد فقط على الدفاع، بدليل اقفال بعض المحال التي كانت تحوّل الاموال الى المنظمات الارهابية، ما يؤشر الى ان مروحة المعلومات التي يملكها اللبنانيون باتت اوسع بكثير، ويمكن ان تلحق اضراراً كبيرة واساسية في البنية الارهابية.

هذا على الصعيد الامني، اما على الصعيد العسكري، فالوضع ليس ببعيد عن الانجازات الامنية، اذ يقوم الجيش بدوره كاملاً في هذا المجال، وهو يلحق اضراراً شبه يومية بمراكز وآليات الارهابيين الذين لميعد يتمتعون بـ"ترف" اخذ المبادرة وايجاد اماكن تختضنهم وتوفّر لهم الامان الموقت ليضربوا ضربتهم. وباتت مواقع الجيش محصّنة ومترابطة ولم يعد التفكير محصوراً في كيفية رد الهجمات، بل تعداه الى تنفيذ عمليات في عمق الاماكن التي يتواجد فيها الارهابيون ادى نجاحها الى ادخال الشك في قدرة هؤلاء على التحرك والتموضع براحة وبطريقة استراتيجية. ولكن مع كل هذه الايجابيات، تبقى هناك سلبية واحدة وهي القرار بالحسم وهو الذي ينتظر تطورات ليست في يد القيادات الامنية، بل في ايدي اللاعبين الكبار الذين يحتفظون بالتوقيت المناسب لتوجيه الضربة القاضية. من هنا، يمكن فهم الاسباب التي ادّت الى الحدّ من الكلام عن الاطباق على اوكار الارهابيين في اكثر من منطقة، والاكتفاء بالحصار والمراقبة ومنعهم من التغلغل الى المناطق اللبنانية. كما ان الاجراءات المتينة التي اتخذها الجيش، وضعت "داعش" وغيرها من المنظمات الارهابية في معضلة حقيقية بعد ان كان لبنان متنفّساً لعناصرها، يهربون اليه كلما شعروا بأنهم مهددون في دول اخرى مجاورة، ولا شك ان قطع الطريق عليهم من الجانب اللبناني جعلهم في حيرة وضيق ليس من السهل التعاطي معه، خصوصاً في ظل الهجمة التي تشنّ عليهم في سوريا والعراق.

باختصار، لا يجب ان ينام اللبنانيون على حرير ويتناسوا ان الارهاب يأتي كالسارق، ولكن لا يجب عليهم ايضاً ان يقللوا من شأن الخبرة والكفاءة التي اكتسبتها الاجهزة الامنية والعسكرية اللبنانية والتي تتطور وتتنامى في كل مواجهة وتحدٍ مع الارهابيين، ويمكن القول هذه المرة ان الافضلية في المواجهة باتت لبنانية.