لم تتأخر هيئة "تحرير الشام" بالرد على بيان المبعوث الأميركي إلى سوريا ​مايكل راتني​، الذي إعتبر أن الهيئة والفصائل المنضمة لها تتبع تنظيم "القاعدة"، نظراً إلى أن المكون الأساسي فيها هو جبهة "النصرة"، التي كانت تعتبر الجناح السوري لتنظيم "القاعدة" قبل أن تعلن فك الإرتباط مع الأخيرة، لكنها بالتوازن أعلنت عن مولود جديد هو "إدارة الشؤون السياسية"، الذي يحمل في طياته الرغبة في الدخول إلى العمل السياسي، إلى جانب العسكري والأمني الذي تقوم به، بالرغم من أن عملياتها باتت تحظى بإدانة واسعة حتى من قوى كانت تعتبر داعمة لها، أبرزها تركيا التي لم تتردد في التنديد بالتفجيرات الأخيرة في دمشق.

في بيان رتني، أكدت الولايات المتحدة أن "النصرة" منظمة مدرجة على لائحة الإرهاب، مشيرة إلى أن كل من يندمج ضمنه يصبح جزءاً من شبكة "القاعدة" في سوريا، في خطوة تدعم حجج الفصائل التي ترفض عروض الإندماج معها حتى الآن، وربما تدفع أخرى من أجل الإبتعاد عنها كي لا تكون عرضة للإستهداف من قبل التحالف الدولي، الأمر الذي دفع بالهيئة إلى الرد في بيان تفصيلي، بحسب ما تؤكد مصادر مطلعة، لأن هذه النقطة من القضايا الحساسة التي لا يمكن أن تبقى من دون تعليق رسمي.

وتوضح هذه المصادر، عبر "النشرة"، أن الرد فرضته الوقائع السياسية بشكل أساسي، نظراً إلى أن الهدف الأول من الإندماج الإستفادة من قدرات "النصرة" في مشروع أوسع يبعدها عن دائرة الإستهداف، في حين أن الموقف الأميركي يعني أن عدد الفصائل التي ستصبح مستهدفة ستكون أكبر من السابق، نظراً إلى أنها شملت تلك التي قررت أن تكون في الكيان الجديد، أي هيئة "تحرير الشام"، التي أرادت أن تقول أنها نموذجاً لقوى المعارضة الرافضة للتفاوض مع الحكومة السورية، وتريد الإستمرار في الحرب ضدها حتى النهاية.

وعلى الرغم من أن الهيئة جددت التأكيد على أنها كيان مستقل لا يمثل امتداداً لأي تنظيم أو جهة، أي "القاعدة"، تعتبر المصادر نفسها أنها في أحسن تقدير لا تزال تخطىء في الأسلوب الذي تعتمده، حيث أن الإعلان عن ولادة إدارة للشؤون السياسية لا يلغي أن العمليات التي تقوم بها تصنف ضمن الجرائم الإرهابية، خصوصاً تلك التي قامت بها في العاصمة السورية مؤخراً، وتضيف: "في الصورة هي تقول أنها لم تعد على علاقة مع "القاعدة"، لكن في المضمون تمارس أفعالها التي لا يمكن القبول بها من قبل القوى الإقليمية والدولية الفاعلة".

على هذا الصعيد، تشير هذه المصادر إلى أن "تحرير الشام"، بحسب ما هو ظاهر حتى الآن، لا تزال صورة منقحة عن "النصرة"، لكنها تسعى إلى الإستفادة من بعض الأدبيات السياسية لحماية نفسها، مثل الحديث عن أنها "جزءًا أصيلًا في ثورة شعبنا التي شاركناه فيها بداية عام 2011"، وتحديد موقعها بأنها "على مسافة واحدة من أبناء هذا الشعب الثائر"، وتلفت إلى أنها بالتزامن تتمسك بخيارات باتت من الماضي، حيث تعلن أن "الجهاد بالسلاح والقوة هو السبيل الأمثل لحماية أهلنا وتحرير أرضنا"، في حين أن النظرة إلى الأزمة السورية باتت تقوم على أساس محاربة الإرهاب وتقاسم النفوذ بين القوى الفاعلة على هذه الساحة.

من وجهة نظر هذه المصادر، ليس هناك من جهة إقليمية ودولية قادرة اليوم على تبني أو دعم نهج "تحرير الشام"، أي الإستمرار في الحرب حتى النهاية، لأن الجميع بات يعلن اليوم الرغبة في الذهاب إلى حل سياسي يقوم على أساس محاربة الإرهاب، المتمثل بتنظيم "داعش" والفصائل التابعة لـ"القاعدة"، بينما القوى التي ترغب في ضمان حقوقها تعمل على تأمين دعمها من قبل فريق خارجي فاعل، كحال "قوات سوريا الديمقراطية" التي تحظى بغطاء من الولايات المتحدة والفصائل المنضوية في عملية "درع الفرات" المدعومة من تركيا على سبيل المثال، وتضيف: "في حال قررت الهيئة إثبات إبتعادها عن "القاعدة" بشكل فعلي عليها تغيير النهج والأسلوب لا اليافطة فقط".

في المحصلة، لا تزال "القاعدة" مستمرة في خطة تلميع صورتها على الساحة السورية، عبر إستخدام أسلوب الأفعى التي تعمد إلى تغيير جلدها، لكن في المقابل لم تنجح في تحقيق هذا الهدف لأنها لا تزال تستخدم الأسلوب والنهج السابق في العمل.