تكشف السجالات المحتدمة على مواقع التواصل الاجتماعي بين ناشطين لبنانيين وفلسطينيين كما تلك الرسمية التي انحسرت نوعا ما أخيرا، والتي اندلعت اثر الأحداث التي شهدها مخيم برج البراجنة، كمًّا مفاجئا من الاحتقان يسود المجتمعين اللبناني المضيف كما الفلسطيني اللاجىء، قد يكون كفيلا بأن يتحول شرارة لتفجير الوضع الأمني الداخلي في حال ارتأى البعض من المتربصين بلبنان اللعب على هذا الوتر.

وان كان الاحتقان اللبناني مبرّر ومفهوم بعد توافد أكثر من مليون وخمسمئة الف لاجىء سوري لينضموا الى أكثر من 500 ألف لاجىء فلسطيني ليزاحموا اللبنانيين على فرص العمل غير المتوفّرة أصلا، وعلى البنى التحتية المترهلة، فالاحتقان الفلسطيني في ظل الظروف الانسانية الصعبة للغاية التي يرزح تحتها اللاجئون في مخيماتهم التي استضافت على الرغم من افتقارها للحد الأدنى من مقومات الحياة عشرات آلاف ممن نزحوا من فلسطينيي سوريا لا يبرّر تعاطيهم مع محيطهم بأيّ خفّة. وعلى خلفية هذا الاحتقان وذاك تفجرت السجالات التي حاول المعنيون احتواءها حتى صدر عن البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي موقفا حمّل فيه اللاجئين مسؤولية الحرب في العام 1975 ودعاهم فيه للعودة الى بلادهم، ما أدّى لسلسلة ردود فلسطينية انتقدت بشدة ومن دون وجه حقّ "استحضار الماضي والدعوة لترحيلهم وهم غير قادرين على ذلك".

وبحسب مصادر متابعة للموضوع، فان أحداث "عين الحلوة" الأخيرة وزيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وبعد ذلك المواجهات المسلحة التي شهدها مؤخّرًا مخيم "برج البراجنة"، دفعت بالملف الى سلم أولويات العهد الجديد في ظل المطالبات المتكررة بضبط السلاح الفلسطيني المتفلّت وان أمكن سحبه من داخل وخارج هذه المخيمات. وأشارت المصادر الى أن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والذي يعطي حاليا الأولوية المطلقة لقانون الانتخاب، بدأ فعليا دراسة الملف بكل أبعاده مع المعنيين فيه من الفريقين اللبناني والفلسطيني، متكئا على الموقف الذي صدر عن "أبو مازن" في العام 2016 لجهة تأكيده أن اللاجئين ضيوف ومن حق الدولة اللبنانية فرض سيادتها على كامل أراضيها، باشارة الى تجاوب رسمي فلسطيني مع طرح سحب السلاح من خارج المخيمات وداخلها.

الا أن هذا الموقف أثار ريبة العديد من الأحزاب اللبنانية الرئيسية التي قرأت فيه دفعا دوليا لسحب السلاح الفلسطيني تمهيدا لفرض التوطين ودمج أكثر من 500 ألف لاجىء في المجتمع اللبناني، وهو ما جعل على الارجح المرجعيتين السياسية والأمنية اللبنانية تترددان في اتخاذ أي خطوات عملية في هذا الاتجاه، بالرغم من عدم وجود تفاهم فلسطيني في هذا المجال باعتبار ان أبو مازن لا يعبّر الا عن موقف فصائل منظمة التحرير حسب البعض. أما حركة "حماس" فتبدو من جهتها متشدّدة في هذا المجال، وهي لا تبدي أي ليونة تُذكر في ما يتعلق بالسلاح داخل المخيمات، ويشدّد قياديون فيها على جهوزيتهم التجاوب مع الاتفاق اللبناني الذي تم على طاولة الحوار الوطني في العام 2006 وليس مع اي اتفاق آخر عقده هذا المسؤول الفلسطيني أو ذاك.

بالمحصلة، قد يكون أي رهان على تحريك هذا الملف "على البارد" بغير محله. لأنّه على الأرجح أنّه سيتحرك بالتزامن مع تبلور الخطة الدولية لحل الأزمة السورية عن طريق تقسيم البلاد، وعلى وقع السياسة الأميركية الداعمة بالمطلق للموقف الاسرائيلي. الملف سيتحرك عاجلا أم آجلا لكن المؤكد أن ذلك لن يتم "على البارد".