شكل صدور تقرير «مراقب الدولة» الإسرائيلي، القاضي المتقاعد يوسف شابيرا، حول تقييم الأداء السياسي والعسكري والاستخباراتي قبل وخلال العدوان على قطاع غزة من عام 2014، شكل هزة سياسية جديدة في الكيان الإسرائيلي، وكشف جانبا مهما من أسباب وأوجه القصور في المستويات الثلاثة، السياسية والعسكرية والأمنية، التي أدت، حسب رأيه، إلى إخفاق الجيش الإسرائيلي في تحقيق أهدافه من عملية «الجرف الصلب»،

وأظهرت في الوقت نفسه سقوط القادة الصهاينة في غرور القوة، والبيروقراطية، وتدني التدريب والجاهزية خلال الحرب، وهي من الثغرات الكبيرة التي باتت تعتري طريقة اتخاذ القرارات على المستوى السياسي والأمني والعسكري في الكيان الصهيوني، والتي أصبح يكتنفها الارتجال والتسرع في مواجهة المخاطر أثناء الحرب، من دون أي دراسة تأخذ بعين الاعتبار كل المعطيات والاحتمالات قبل الإقدام على مثل هذه القرارات.

ومع أن التقرير يغفل، أو يتجنب الإشارة إلى أن السبب الأهم في عدم نجاح الجيش الإسرائيلي في تحقيق أي من أهدافه العسكرية واستطراداً السياسية من شن الحرب على غزة، إنما يكمن في المقاومة البطولية التي واجهها طيلة 51 يوما من العدوان، إلاّ أن التقرير أقر بطريقة غير مباشرة، ومن خلال الفشل في مواجهة الأنفاق الهجومية التي حفرتها المقاومة، بقدرة المقاومة على التصدي للجيش الإسرائيلي، ومفاجأته بحرب أنفاق أحبطت خططه العسكرية، ووجهت ضربات موجعة لجنوده من الأمام والخلف، مما أضعف معنويات الجيش الإسرائيلي وجعله في وضع لا يحسد عليه يسعى وراء وقف الحرب بشروط لم يعتاد عليها في المواجهة مع المقاومة الفلسطينية من قبل، وإن عمدت الحكومة الإسرائيلية لاحقاً إلى التهرب من تنفيذ هذه الشروط.

على أن ما ورد في التقرير يشكل إقراراً واضحا، لا لبس فيه، بالهزيمة أمام المقاومة الفلسطينية، على الرغم من اختلال موازين القوى من كل الوجوه لمصلحة «إسرائيل» في مواجهة قطاع غزة المحاصر لسنوات طويلة، وذي المساحة الصغيرة( 360 كلم مربع) والمنبسطة والخالية من الجبال والوديان والغابات.

ومن خلال تفحص التقرير يتبين أن هذا الإقرار بالهزيمة تجسد في العناوين التالية:

أولاً: إخفاق استخباراتي، قبل شن الحرب وخلالها، تمثل في عدم تدارك خطر الأنفاق الهجومية خلال العدوان، وضعف المعلومات الأمنية عن الأنفاق وحركة المقاومة وقادتها، وأماكن انطلاق الصواريخ التي كانت تتساقط على العمق الصهيوني، رغم سيطرة الطيران الحربي الإسرائيلي على سماء القطاع.

ثانياً: غياب التنسيق بين الحكومة الإسرائيلية وقادة الجيش لمواجهة تهديد الأنفاق، فالتقرير أقر بان تهديد الأنفاق، الذي وصفه رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو بأنه «تهديد استراتيجي وفي غاية الخطورة» لم يُعرض بالتفصيل أمام المجلس الوزاري المصغر، بل تم الاكتفاء بتصريحات عامة وقليلة وغير كافية لشرح خطورة التهديد وحجمه لباقي الوزراء، كما انتقد التقرير الوزراء لأنهم لم يظهروا اهتماماً بالموضوع ولم يطلبوا الحصول على كل معلومات أوسع بخصوص ذلك التهديد، ولم يطلبوا من الجيش أن يعرض عليهم استعداداته للتعاطي مع هذا التهديد.

ثالثاً: انتقاد التقرير بشدة أداء نتانياهو ووزير الدفاع السابق موشيه يعالون، وقائد الجيش بيني غانتس، لعدم تأكدهم من وجود خطط عملية لدى الجيش الإسرائيلي للقتال في محيط مشبع بالأنفاق ولمواجهتها.

رابعاً: إقرار بوجود ثغرات كبيرة في جاهزية الجيش الإسرائيلي، تجسدت في نقص التدريب، ونقص التزود بالآليات الحربية اللازمة لمواجهة الأنفاق، وغياب خطط عملية للقتال في محيط تكثر فيه الأنفاق، إضافة إلى عدم وجود خطط للتعامل معها أثناء القتال، وأخيراً قلة الجاهزية لدى سلاح الجو والفضاء لمعالجة هذا التهديد.

كل هذه الثغرات أجبرت، حسب التقرير، القوات البرية والجوية على التعاطي مع تهديد الأنفاق بالارتجالية خلال العملية من دون أن تستعد لذلك.

انطلاقا مما تقدم يمكن القول أن تقرير مراقب الدولة الإسرائيلي وإن كان قد سلط الضوء على الثغرات التي شابت أداء المؤسسات السياسية والأمنية الإسرائيلية خلال الحرب، وسبل تجاوزها، إلاّ أنه كشف في الوقت نفسه مأزق القوة الصهيونية وعجزها عن تحقيق النصر في مواجهة مقاومة لا يمكن مقارنة إمكانياتها بإمكانيات وقدرات الجيش الإسرائيلي.