تعيش غزة كارثة حقيقية. فآخر الإحصاءات لمرضى السرطان تقول أن عدد المصابين سنوياً وصل إلى 1600 حالة. العدد يتزايد؛ فبعد أن كانت الإصابات التي يتم اكتشافها شهريا تتراوح بين 70 و80 حالة؛ باتت تتعدّى شهريا 120 إصابة.

الأخطر، أنّ أكثرهم يموتون حتماً. السبب أن ​اسرائيل​ لا تسمح لهم بالمغادرة للعلاج.

الأمر لا يقتصر على البالغين، فنسبة الأطفال بلغت 8 بالمئة من إجمالي المصابين بالمرض.

بحسب تقرير لصحيفة "ذي غارديان" البريطانية نشرته في أيار من العام المنصرم، إن 28 بالمئة من النساء المصابات بسرطان الثدي لم يلقين جوابا على طلبات التصاريح التي قدمنها للخروج من غزة لتلقي العلاج.

"لم يبيدوننا في الحرب، يقتلوننا بالسرطان".

بحرقة قلب وعين تأسر الدمع، أفصحت لي سيدة فلسطينية تنتمي لعائلة مرموقة من عشائر قطاع غزة عن هذه العبارة.

سيّدة عربية مثقفة ذاقت المرّ والذلّ على المعابر لتسافر حيث يعيش أولادها في بقاع الأرض؛ مثلها مثل الآلاف من مواطني القطاع المحاصرين، الذين كتب لهم القدر العيش تحت بطش اسرائيل.

الإحصاءات والدراسات التابعة لمنظمات دولية حول الوضع الإنساني والإجتماعي في قطاع غزة متعددة؛ لكن، أن تسمع وترى أخطر كارثة تحصل في العالم في عصرنا هذا بلسان وعين الضحية، لهوَ أصدق من أيّ تقرير أو دراسة تُنشَر بعد اليوم . فكيفَ السبيل مستقبلاً إلى الثقة بالتقارير الدولية بعد ما تعرضت له الدكتورة ريما خلف من الأمين العام للأمم المتحدّة لإلزامها على سحب تقريرها الذي وثَّق ارتكاب اسرائيل لجريمة "الأبارتهايد" بحق الشعب الفلسطيني؟.

الواقعُ الخطير هو أن الوضع الصحي الكارثي في غزة يتفاقم والمجتمع الدولي صامت.

تتكاثر حالات الإصابة بالأمراض السرطانية على أنواعها كافة.

المؤتمر العلمي الذي نظمته جامعة الإسراء بغزة منذ بضعة أشهر تحت عنوان "الواقع الصحي في فلسطين من منظور حقوقي "نشر إحصائيات وكشف عن حالات الأمراض وأكّد أنّ اسرائيل تمنع 56 بالمئة من العلاج.

المشكلة الكبرى تكمن في عجز المستشفيات عن استقبال جميع المرضى؛ بسبب نقص العلاجات الكيميائية والإشعاعية؛ وتضييق الحصار على المرضى الذين يحاولون الذهاب خارج غزة للعلاج؛ تدمير العديد من الأنفاق؛ النقص في الأطباء المتخصصين؛ الوضع المعيشي المتردّي والحالات النفسية السيئة للمرضى وعائلاتهم.

أمّا عن الأسباب، يعزو الفلسطينيون ذلك إلى استعمال اسرائيل أكثر من 70 طناً من "اليورانيوم" على غزة في حرب العام 2008 ولكن، ماذا عن استعمال اسرائيل الأسلحة البيولوجية؟ إنّها مسألة خطيرة جداً تستحق التوقف عندها.

في العام 1925 تم توقيع معاهدة جنيف لمنع استخدام الغازات السامة والبكتيريا الفتّاكة خلال الحروب.

أمّا النتيجة بعدها فهي أنّ العالم يستمر بالتجارب والتسلّح البيولوجي.

في العام 1972 جرى التصويت في الجمعية العمومية للأمم المتحدة على معاهدة لوقف إنتاج وتطوير وتخزين الميكروبات الفتاكة والمواد السامة المستخلصة منها.

لا شك أن الأسلحة البيولوجية يستمر إنتاجها وإجراء الإختبارات بها. إنّها الغزو الفتاك بالانسان والنبات والحيوان على حدٍّ سواء.

يُصنَّف استعمال الأسلحة البيولوجية بالجريمة البيئية، ويعاقب عليها النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية في المادة 8/2 البند4. لكن هذا غير كاف، فغياب التحديث في التشريع الدولي الرادع والمعاقِب لتصنيعها واقتنائها واستعمالها وأيضاً الحاظر والمانع والمعاقب على إجراء الأبحاث والتجارب بشأنها ينتج عنه أخطاراً كبيرة.

لا بدّ من الإشارة أن الأسلحة البيولوجية هي الأسلحة الأكثر فتكاً والأقل كلفة بحيث أنها تُعرف بالتسمية التالية: "قنبلة الفقير الذرية".

لا شك أن استعمال هذه الأسلحة يحصل بشكل سري، وبالتالي تصعب عملية اكتشافه. لكن؛ ماذا عن النتائج المَرَضية غير المألوفة التي تظهرُ تباعاً على شعب بكامله؟ أليست ظواهر تستحق التحقيق الدولي؟ هذا ما يحدث في فلسطين. ينتشر السرطان في غزة. تنتشر الأمراض المختلفة؛ واضح التشوّه الخلقي عند الكثير من المولودين حديثاً.

أهل غزة يستحقون العلاج. وأيضاً، يستحقون تحقيقا طبياً دولياً. اسرائيل تستحق محاكمتها دولياً.

وهنا لا بدّ من التأكيد أنّ جريمة استعمال الأسلحة البيولوجية توازي نفس مرتبة جريمة الإبادة الجماعية.

جرائم عدّة تُسجّل على اسرائيل تستحق التحرك الدولي الفوري بشأنها.

على السلطة الفلسطينية اليوم والمثقفين الفلسطينيين المشتتين في العالم، التكاتف والقيام بتحرّك سريع صوب المحكمة الجنائية الدولية والادعاء بوجه اسرائيل.

لا بدّ من تحرك دولي لفك الحصار عن قطاع غزة والمباشرة بتحقيق دولي حول استعمال اسرائيل لأسلحة بيولوجية في غزة.

العيون نحو القمة العربية لترقب موقفها من التقرير الذي أثبت ارتكاب اسرائيل لجريمة "الأبارتهايد"، وبعده، ما موقف الجامعة العربية من اسرائيل وأسلحتها البيولوجية؟ ماذا عن الحصار على غزة؟

إن كانت الجامعة العربية لم توجّه الدعوة لسوريا لحضور قمتها بحجة أنها لم تلتزم بمقرراتها. فلننتظر ونرَى مدى التزام الجامعة العربية بالقوانين الدولية والحقوق الإنسانية. هل ما زالت فلسطين هي بوصلة القضية العربية لدى العرب؟