لا تزال التحولات الكبرى، في المشهدين الإقليمي والدولي، تسيطر على مستقبل الأزمة السورية، في ظل تعدد وتناقض مصالح كافة اللاعبيين، لكن مع نهاية الاسبوع المنصرم عادت الرياض وتل أبيب إلى الواجهة من جديد بكل قوة، تحت سقف الخطة الأميركية التي تتبنى مشروع المناطق الآمنة.

بعد الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو إلى موسكو، عمد سلاح الجو الإسرائيلي إلى إستهداف موقع سوري باتجاه تدمر في ريف حمص الشرقي، ما اضطر وزارة الخارجية الروسية إلى إستدعاء سفير تل أبيب لديها جاري كورين للإحتجاج، لكن هذا الأمر لم يمنع المسؤولين الإسرائيليين من الإستمرار في توجيه التهديدات بتدمير الدفاعات الجوية التي تمتلكها دمشق.

بالتزامن، كان وزير الدفاع السعودي ولي ولي العهد ​محمد بن سلمان​ يلتقي الرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​ في واشنطن، حيث تم البحث في مختلف ملفات المنطقة والعلاقات الثنائية بين الجانبين، بعد أن شعرت الرياض بأنها قادرة على التعاون مع سيد البيت الأبيض الجديد في صراعها مع النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط، نظراً إلى أن الجانبين يتشاركان في النظرة العدائية تجاه طهران، على عكس ما كان عليه الوضع في ظل الإدارة السابقة برئاسة باراك أوباما، التي وقعت الإتفاق النووي الشهير.

على هذا الصعيد، كان لافتاً ما صدر عن رئيس المؤسسة العربية علي الشهابي، الذي يقدم استشارات للحكومة السعودية، باعتبار سوريا "معركة خاسرة" لبلده، في وقت كانت أغلب التقديرات تشير إلى أن الرئيس الأميركي الجديد يراهن على الرياض لتمويل الحرب على الإرهاب، بالإضافة إلى المشاركة فيها من خلال قوات عربية وإسلامية، مع العلم أن حديث ترامب عن المناطق الآمنة في سوريا برز في أول إتصال له مع الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، وهو ما بدأ الحديث فيه بشكل علني مع إقتراب معركة تحرير الرقة في الآونة الأخيرة.

وعلى الرغم من أن تصريح الشهابي يبدو منطقياً في ظل التوازنات القائمة على الساحة السورية، بالإضافة إلى إنشغال السعودية في الحرب اليمنية التي تعتبرها أكثر أهمية، إلا أن بعض الأوساط المطّلعة تؤكد، عبر "النشرة"، أن ما عبّر عنه الشهابي ليس الموقف الرسمي الذي تتبناه بلاده، نظراً إلى أن المملكة تعتبر الساحة السورية أساسية في الصراع المباشر مع النفوذ الإيراني في المنطقة، وبالتالي لا يمكنها أن تتخلى عنها بهذه السهولة، لا سيما في ظل وجود إدارة أميركية لديها كل الرغبة في الصراع مع طهران.

من وجهة نظر هذه الأوساط، واشنطن تدرك أن السعودية قادرة على تأمين غطاء كبير لها في مرحلة العودة العسكرية المباشرة إلى الشرق الأوسط، وبالتالي هي تريدها أن تكون إلى جانبها في هذه الحرب، ضمن السقف المرسوم لها إلى جانب باقي اللاعبين، وتوضح أن الرياض من الممكن أن تشارك في معركة الرقة وفي معركة تأمين المنطقة الآمنة في الجنوب السوري، التي سيتم العمل عليها إنطلاقاً من الحدود الأردنية تحت عنوان الحرب على الإرهاب، والتي ستتطلب تعاوناً مع الجانب الإسرائيلي بشكل مباشر أو غير مباشر.

بالنسبة إلى الأوساط نفسها، هناك مصلحة أميركية-سعودية-إسرائيلية في الساحة السورية، عنوانها محاربة النفوذ الإيراني والعمل على إضعافه، وهي تأتي ضمن مسرح عمليات شبه مشترك، يبدأ من الشرق لمنع الربط بين الحدود العراقية السورية وصولاً إلى حمص ومن ثم القلمون نحو الحدود اللبنانية، ويستكمل في مثلث الحدود الأردنية -درعا- الجولان السوري المحتل، أي منطقة حوض اليرموك التي يسيطر عليها "داعش" في الوقت الراهن، إلا أن كل ذلك يبقى مرتبطاً بالصورة التي ستُخرج فيها واشنطن العملية، خصوصاً أن الرؤية التي لدى ترامب لم تتضح كل معالمها بعد.

في المحصّلة، يبدو أن الحرب تتجه إلى دول اللاعبيين كافة إلى أرض المعركة بشكل مباشر، بدل الإستمرار في دعم الوكلاء المحليين على مدى السنوات السابقة، فهل يكون ذلك مقدمة للحل؟