مع عودة "الحراك الشعبي" إلى الشارع، بعد فترة إنقطاع طويلة نسبيًا، دخل أكثر من طرف سياسي وحزبي ومن هيئات "المُجتمع المدني" على الخطّ، كلّ وفق أجندة عمل مُختلفة، الأمر الذي أدّى إلى عمليّة "خلط أوراق" على مُستوى أولويّات العديد من القوى السياسيّة الأساسيّة، التي، تتعامل بحذر شديد مع موضوع "​سلسلة الرتب والرواتب​"، لما لهذا الملفّ من إنعكاسات مُباشرة على التأييد الشعبي لهذه القوى. فهل سيتمّ إقرار السلسلة، أم أنّ حسم هذا الملف تأجّل حتى إشعار آخر؟

لا شكّ أنّ بعض القوى السياسيّة كانت حريصة على تمرير "سلسلة الرتب والرواتب" بأقلّ ضرر مُمكن، لا سيّما منها تلك التي تتمتّع بشعبيّة واسعة في صُفوف عناصر المؤسّسات العسكريّة وفي صفوف موظّفي الدولة والقطاع التربوي، لأنّها ستعود بفائدة مُباشرة على نحو 250,000 مُوظّف وأجير سيستفيدون من الزيادات المالية على رواتبهم. لكنّ حتى هذه القوى المُؤيّدة تُقارب الموضوع بحذر، خشية إغضاب ما لا يقلّ عن 750,000 موظّف وعامل في القطاع الخاص، وكذلك خشية إغضاب "الكارتل المالي" في القطاع الخاص، والذي سيتضرّر مُباشرة بفعل الضرائب التي ستُفرض لتأمين التمويل اللازم للمصاريف الإضافية التي ستتكبّدها خزينة الدولة. وليس سرًّا أنّ "القطاع الخاص" يُعاني من أزمات كبيرة إضطرّ معها إلى الإستغناء عن خدمات جزء من موظّفيه والعاملين لصالحه، وإلى خفض رواتب مجموعات أخرى من اليد العاملة لديه. كما واجهت القوى المُؤيّدة لإقرار "السلسلة" إمتعاض بعض الفئات الشعبيّة من اللاعدالة في توزيع بعض الرتب، على الرغم من مرور سنوات طويلة من المُماطلة والتسويف بحجّة الدرس بتأنّ، وكذلك إمتعاض الكثير من الفئات المَغبونة من هذه "السلسلة"، مثل العسكريّين والمُوظّفين المُتقاعدين، وأساتذة الجامعات، والقطاع القضائي، إلخ.

وقد تضاعف تردّد وحذر القوى السياسيّة التي كانت داعمة لتمرير "السلسلة"، بعد عودة "الحراك الشعبي" إلى الشارع، وبعد دُخول بعض الأحزاب والشخصيّات السياسيّة على خط المُزايدات الشعبيّة بهدف تعزيز واقعها الإنتخابي، وبعد وُصول تقارير عن إمتعاض فئات شعبيّة مَمّا جرى إعلانه من ضرائب صحيحة من باب الضرورة، ومَمّا جرى ترويجه من ضرائب أخرى كاذبة من باب التضليل والإفتراء. ولعبت الجهات التي دخلت على خط عرقلة إقرار "السلسلة" على وتر فرض ضرائب جديدة على الشعب، للتصويب على السُلطة بهدف تعزيز شعبيّتها، في الوقت الذي دخلت فيه أطراف مُتضرّرة من الضرائب على خط التظاهرات أيضًا لإفشال "السلسلة". ويُمكن القول إنّه جرى إستغلال "الحراك الشعبي" التلقائي والعفوي، لتوظيفه في معارك سياسية وإنتخابية، وفي معارك تصفية حسابات، ولجعله درع حماية لمصالح إقتصادية ومالية مُعيّنة. ومن المُتوقّع أن تواصل أحزاب، مثل حزب "الكتائب اللبنانيّة" و"الحزب الشيوعي" دعم التظاهرات الرافضة لفرض أيّ ضرائب أو رسوم جديدة، بينما يُتوقّع أن تعمل مجموعة من المصارف والشركات الخاصة، من جهتها على تمويل جزء من الإعتصامات والتحرّكات الشعبيّة، لأنّ مصلحتها تقضي بمُحاولة إيقاف "السلسلة" أو على الأقلّ الحدّ من أضرارها الضريبيّة. ومن المُتوقّع أنّ تستغلّ "الحراك الشعبي" أيضًا مجموعة من الشخصيّات الطامحة لإيجاد مَوطئ قدم عشيّة الإنتخابات النيابيّة المَوعودة، والتي ليس لها أماكن في "المَحادل الحزبيّة" التي يجري تحضيرها. ومن غير المُستبعد أن تَدخل على خط "الحراك الشعبي" جهات إستخباريّة راغبة بضرب الإستقرار اللبناني، وأخرى ترمي إلى إفشال إنطلاق عهد الرئيس الجديد العماد ميشال عون. وبحسب التوقّعات، إنّ إستغلال "الغضب الشعبي" على الضرائب والغلاء هو سيف بحدّين، حيث يُمكن أن يُستخدم بوجه السُلطة الحاكمة لتشويه سمعة العهد أو لإسقاط الحكومة مثلاً، ويُمكن أيضًا أن يُستخدم من قبل قوى نافذة داخل النظام، وذلك لفرض إنتخابات نيابيّة جديدة وفق قانون لا يحظى بتوافق شامل، بفعل الإستفادة من الدفع الشعبي الراغب بتغيير الوجوه النيابيّة الحاكمة.

ولكلّ هذه الأسباب المذكورة أعلاه، جرى التوافق بعيدًا عن الإعلام على إرجاء بت ملفّ "سلسلة الرتب والرواتب" إلى مرحلة لاحقة، حيث عاد التركيز حاليًا على ملف قانون ​الإنتخابات النيابية​ الجديد، في ظلّ عدم إستعداد أي فريق لخسارة صوت إنتخابي واحد تحت وطأة فرض أي ضريبة جديدة لتمويل "السلسلة"، وفي ظلّ إرباك واضح إزاء الموظّفين الموعودين بهذه "السلسلة" منذ سنوات طويلة! ويُمكن القول في الختام، إنّ قانون الإنتخابات الموعود... إبتلع "السلسلة" حتى إشعار آخر!