لا يكشف احد سراً إنْ أُعلن أنّ وزير الداخلية الحالي ​نهاد المشنوق​، كان أحد المهندسين لدعم رئيس الحكومة ورئيس تيار المستقبل ​سعد الحريري​ للعماد ميشال عون لمنصب رئيس الجمهورية. ولا حاجة لتكرار الاحداث المعروفة والتي تؤكد الحفاظ على العلاقة بين الرجلين في مرحلة صعبة من التوتر الداخلي والاقليمي قبل الانفراج الذي شهده البلد على الصعيد السياسي. ولكن ما حصل بعده، أصاب الكثيرين بنوع من الحيرة، إذ شابت العلاقة بين الاثنين مرحلة من التوتر كادت ان تصل الى حد المواجهة، قبل ان يتم نزع فتيل الازمة وعودة المياه الى مجاريها.

سبب التوتر كان موضوع اجراء الانتخابات النيابية، حيث اراد المشنوق ان يزيح عن كتفيه عبء المسؤولية التي ستضع نفسها امامه كونه الوزير وملزم باحترام المواعيد والعمل ضمن القانون، فيما يرى رئيس الجمهورية ان الامر لا يحتاج الى هذا القدر من التضخيم، لان اي قانون جديد سيحمل معه مخرجاً قانونياً للمسألة. هذا الاختلاف في وجهات النظر، ساهم في احداث شرخ في العلاقة، فحصل ما حصل في جلسات مجلس الوزراء وما تم تسريبه من مواقف لعون والمشنوق، فيما لم يقارب الكلام الذي رد به المشنوق على سلاح حزب الله وكلام الرئيس في خصوصه مرحلة الخطر او تجاوز الحدود، بحيث لم "تنكسر الجرّة".

وبالامس، كان المشنوق نفسه يخرج من قصر بعبدا ويعلن ان الانتخابات النيابية لن تجري الا وفق قانون جديد، ما يعني انه بات على موجة واحدة مع الرئيس عون ان من حيث الموقف او من حيث الاجراءات. لا شك ان مساعي الخيّرين ساهمت بشكل كبير في ازالة التوتر، وادت الى اجتماع الرجلين ونجاح الرهان على ان اللقاء المباشر بينهما كفيل بتوضيح كل الامور بدل التعاطي بالواسطة او عبر الاعلام، ولكن لا يجب ايضاً التقليل من رغبة عون والمشنوق في ابقاء العلاقة سليمة بينهما انطلاقاً من اعتبارات عدة.

ولعل ابرز هذه الاعتبارات يكمن في ان العلاقة بين عون والحريري لا تزال جيدة، ولا سبب رئيسي بالتالي لتوتر العلاقة مع المشنوق، اضافة الى ذلك، يجب ان تبقى الامور على حالها من الصفاء بين الوزير والرئيس في حال حصول اي خلاف في وجهات النظر او تباعد حول امور وملفات، اذ يمكن للمشنوق ان يلعب بنجاح دور الوسيط لمنع تحول الاختلاف الى خلاف.

وفي غياب اي خلاف جوهري حول مبدأ الانتخابات (ان بالنسبة الى رفض قانون الستين او ضمان عدم تهميش اي قوة اساسية)، لا حاجة الى اي هوّة بين العهد الجديد ووزير داخلية يتولى مواضيع حساسة ومهمة، يجدر التباحث فيها بشكل دوري مع الرئيس ووضعه في اجوائها، بما يؤمّن حسن سير الشؤون الامنية والادارية التي تهم المواطنين وتعاطيهم معها بشكل يومي.

سبب اضافي يجعل العلاقة بين المشنوق وعون محكومة بالتسوية، وهي رغبة كل منهما في المحافظة على قوة الحريري في وجه القوى الاخرى التي تطمح للحلول مكانه، وهذا الامر يشكّل مصلحة مشتركة لرئيس الجمهورية ووزير الداخلية. فالاول ارسى اسساً مع الحريري ومحيطه باتت تطمئنه الى الآتي من الايام، فيما يهمّ الثاني ان يبقي على اوسع قدر من التحالفات والعلاقات ليواجه ايضاً من يرغب في تحييد دوره و"قتل" طموحه السياسي في المرحلة المقبلة.

من هنا، يمكن القول ان الانتخابات النيابية التي كانت سبباً في ايجاد اجواء توتر بين الداخلية وبعبدا، تحوّلت نفسها الى سبب لازالة هذا التوتر، ووفق هذا التوجه واللقاءات الاخيرة التي اجريت، فإن المناخ يشي باقتراب ابصار قانون انتخاب جديد للنور انما بعد المهل المحددة للقانون السابق، وسيحمل معه الحلول لعدد من المشاكل وطمأنة للعديد من الزعماء والمسؤولين السياسيين.

الصورة من دالاتي ونهرا