تجاهل أمين عام حزب الله بالكامل في آخر خطاباته الغارة «الإسرائيلية» الأخيرة على نواحي تدمر السورية، بالرغم من أن مسؤولين أمنيين «إسرائيليين» أعلنوا ان الغارة استهدفت مخازن سلاح للحزب في تلك المنطقة.

تحوّل الصراع بين روسيا و«إسرائيل» مباشرة بعد الحادثة وعمدت روسيا للكشف عن هذا التوتر عبر استدعاء سفير «إسرائيل» في موسكو لمساءلته عن الذي جرى.

تدرك روسيا أن استهداف المنطقة المحيطة بتدمر هو استهداف لها ولرمزية النصر المحقق والمدعوم أممياً في تدمر الأثرية ومحيطها، خصوصاً أيضاً ان تلك المنطقة خارجة عن المنطقة الامنية التي تقلق «إسرائيل» بعلاقتها مع لبنان أو حزب الله تحديداً كالقلمون والقصير والحدود في الجولان وأنحائها التي تقع ضمن الامن الحيوي للحكومة «الإسرائيلية» التي تشدد على ضرورة الحفاظ على مَن أسمتهم اصدقاء «إسرائيل» عناصر «جبهة النصرة»، خشية أن يستبدل وجودهم بوجود عناصر حزب الله هناك بعد أي حل سياسي ينتج عن الازمة السورية الأكثر استفزازاً إقليمياً ودولياً، خصوصاً أن ادارة الرئيس اوباما عمدت الى الايحاء بضرورة التعاون المشترك مع روسيا من اجل البت في الازمة بالاضافة الى توقيع الاتفاق النووي بين ايران والغرب. كلها اشارات عن سوء العلاقة بين تل أبيب وواشنطن سابقاً.

اليوم تحاول الحكومة «الإسرائيلية» إيقاف اي نوع من انواع التسويات السياسية التي لا تحفظ لها معادلة آمنة او هادئة على الحدود، فتصبح الجولان منطقة العمليات الاكثر استفزازاً للجهات الأمنية والاستخبارية «الإسرائيلية» وهي تكتسب يوماً بعد الآخر الاولوية في التغطية الأمنية والبحثية الصهيونية.

تنشر صحيفة «إسرائيل اليوم» المقربة من نتنياهو تقريراً حول وجود حزب الله في سورية تقول فيه: لقد أعيد تشكيل حزب الله كجيش مجهّز، بشكل يتلاءم مع دوره الجديد لتحرير الجولان السوري، وهو ينتشر منذ الآن قرب الحدود مع «إسرائيل» في الجولان.

لا يُخفي حزب الله مشروعية حربه ضد «إسرائيل» اياً كانت او وجدت وأياً كان هو أو وجد، لكنه يجيد التجاهل حتى لو أعلنت «إسرائيل» استهدافها قوافل تنقل له السلاح أو حتى عند إعلان «إسرائيل» مواصلة حربها معه خارج الأراضي اللبنانية بما يشبه تعقب حركته.

المفاجأة التي كشفتها الغارة «الإسرائيلية» والرد السوري السريع المدعوم باحتجاج ديبلوماسي روسي باستدعاء سفير الكيان في موسكو كانت عدم استعداد روسيا لتغطية أي حركة «إسرائيلية» في القلب السوري. وهو الأمر نفسه الذي اضطرت موسكو الى نفيه لحظة عودة نتنياهو الى تل أبيب كاشفة أن «روسيا لم تعلن امام «الإسرائيليين» أنها بصدد تغطية عملياتها ضد حزب الله داخل سورية».

اللغط الحاصل حول الغارة وتجاهل حزب الله للمسألة يرسم أسئلة عديدة حول احتدام المشهد بالساعات الأخيرة والمستمر بوتيرة متصاعدة، فقد أعلن الإعلام الحربي المركزي لحزب الله أن سلاح الدفاع الجوي في الجيش السوري يسقط طائرة استطلاع «إسرائيلية» بدون طيار بعد خرقها السيادة السورية في ريف القنيطرة. وهي من نوع «سكاي لارك « مع مشاهد وصور عنها.

التصعيد «الإسرائيلي» المباشر جاء بعد الزيارة الاخيرة لموسكو، لكنه كان قد بدأ قبل ذلك عبر تزخيم جبهة النصرة او فتح الشام وغيرها من المجموعات لشن سلسلة تفجيرات متفرقة في سورية وآخرها هجومان على دمشق تم إفشالهما.

جرعة المعارك الجديدة تقع ضمن ضخّ رصيد وازن يمكن للإدارة الأميركية الجديدة أخذه بعين الاعتبار في مقاربة الملفات التي تُعنى بحلفائها لحظة المفاوضات الإقليمية للأزمتين السورية واليمنية أيضاً التي تشهد تصعيداً كبيراً بدورها.

الحركة الإسرائيلية في سورية ووضع الاصبع على الجرح، في ما يعدّه حزب الله هناك، مع ما تنشره مراكز الابحاث والجهات الامنية «الإسرائيلية» عن تحرك حزب الله في سورية بعد انقطاع الأمل من ان تعطي روسيا ضمانات لـ»إسرائيل» بحرية الحركة في سورية بوجودها من أجل ضرب الحزب، اينما وجد، يأخذ المشهد نحو نية «إسرائيلية» برفع ملف الجولان السوري والجنوب السوري بشكل خاص كأولوية تفرض التوصل لنوع من اتفاق او مخرج مطمئن حياله قبل أي عملية سياسية في سورية. وهذا يعني إمكانية أن تلتهب الجبهة الجنوبية في سورية، الأمر الذي يعيد الى الأذهان معادلة الردع التي رسمها الرد السوري الأخير على الغارة «الإسرائيلية»:

هل تتحمّل إسرائيل فتح جبهة مباشرة يشترك فيها حزب الله بعد أن بدت القبة الحديدية أضعف من أن تتحمل وزر حرب بهذا الحجم؟

الإرباك «الإسرائيليط بين الحرب واللا حرب في تلك المنطقة حالياً يشكل نوعاً آخر من المحاذير التي يجب القلق بشأنها، لأنه قادر على إدخال الملف السوري باستنزاف طويل الأمد. وعلى هذا الأساس يبقى أمام محور سورية إيران وحزب الله حسم مسألة البدء بمعارك الجنوب السوري والتخلّص من ذيول الإرهاب الذي يشكل شريطاً أمنياً موثوقاً لدى «الإسرائيليين». ومن الآن حتى هذه اللحظة تصبح كل الامور مفتوحة. فـ»إسرائيل» تدرك تماماً أنها تفاجأت بسرعة تحرير حلب التي كان يتلهّى بها حزب الله والجيش السوري معاً ومعهم إيران، وفاجأتهم نتيجة تحريرها السريع ما وسع من إمكانية تعاون الاميركي والروسي معاً في باقي المناطق للتخلص من داعش وهو قرار أميركي ثابت في الرقة وغيرها. فبدأت مسألة التصعيد على الجبهات كافة للإثبات للأميركيين ان الحلف الاميركي لا يزال قوياً في سورية ما يربك الحسم العسكري ويؤخر الحل السياسي.