– تسارع أحداث التصعيد العسكري في سورية منذ تفجيرات دمشق الانتحارية على توقيت ساعة وزير الدفاع السعودي محمد بن سلمان ودخوله إلى البيت الأبيض، وما تلاه من تورط «إسرائيلي» برفع وتيرة التهديد والتدخل، والتتابع المستميت على أبواب دمشق لمحاولات التقدم لانتحاريي جبهة النصرة، وصولاً لتفجير جبهة ريف حماة بمحاولة اقتحام صوران ومعردس، وما ينتظر في جنوب حلب وغربها، ووريف حمص الغربي من جهة القلمون، وكلها لها عنوان واحد جبهة النصرة، يقول إن النصرة بعدما استهلكت حروب الفصائل ومفاوضات الواجهات السياسية وضعتهم جميعاً تحت إبطها وذهبت تخوض حربها.

– حرب النصرة الجديدة تستعيد مشهد حربها السابقة في حلب، التي كانت مشابهة عملياً، لكن كانت فرصها أهم ورهاناتها أكبر، وكان الأتراك خط إمدادها المفتوح، وكانت حلب ساحتها النموذجية، والحملة الدبلوماسية لدعمها في الذروة، والأميركي على جمر الانتظار، لكنها انتهت بالهزيمة المدوية التي أنتجت استانة، ولا يمكن للنصرة العودة مجدداً لخوض غمار التجربة الفاشلة ذاتها، والوصول للنتائج ذاتها، بآلية يصير عنوانها، عبور الفصائل عتبة قتال النصرة كشرط لقبولها في العملية السياسية.

– تعود النصرة لحربها من بوابة اسمها الانخراط في الحرب على داعش، من القلمون إلى مخيم اليرموك جنوب دمشق، بالتوقيت ذاته الذي تفجّر حربها على الجيش السوري والدولة السورية. وهي تفعل ذلك تحت راية سعودية واضحة، عنوانها الانقلاب على أستانة، واقتحام جنيف وليس جوبر هو الهدف. فالتفاهم السعودي الإسرائيلي الأميركي الجديد يقوم على معادلة أميركية قوامها، خوض الحرب على داعش، ومن هذا الباب يعمل السعودي و الإسرائيلي على دمج النصرة بهذه الحرب، والقول إنها الشريك العربي المعتمَد وتحت عنوان المعارضة المسلحة، ولا مانع من اختبار فرصة تقديم النصرة لأوراق الاعتماد، في الانضباط بهذين البعدين، قتال داعش والاختباء وراء مسميات المعارضة، بدلا من الذهاب لحل سياسي يعوّم الدولة السورية ويمنح حلفاءها نصراً.

– إظهار الدولة السورية بحال الضعف كان أحد أهداف الغارات الإسرائيلية ، وأصيب بالفشل وتسبب بأضرار استرايجية تخطت حدود ما رسمته القيادة الإسرائيلية ، ما كشف تنبّهاً سورياً روسياً عالياً لما يدبَّر ويخطط. لكن أحد الأهداف كان فتح ثغرة في خطوط تقدم الجيش السوري نحو البادية الشمالية الشرقية لتأخير تقدمه نحو ضفاف الفرات. ومعلوم أن ما يسمى بجيش سورية الجديد كمنتج أميركي إسرائيلي يرعاه الأردن، يرابط على الحدود العراقية السورية بخطوط مفتوحة على الأردن، عبر البادية ويفترض أن يتولى وفقاً للخطة الجديدة مهمة ملاقاة الأكراد عبر البادية إلى ضفاف الفرات بين الرقة ودير الزور قبل أن يصلها الجيش السوري. وهو هدف لم يتحقق ولا يزال الجيش السوري يواصل التقدم.

– هنا تحضر المعادلة السعودية الإسرائيلية الأميركية تحت عنوان البادية الجنوبية السورية. وهي المنطقة الممتدة جنوب شرق حمص حتى حدود الأردن التي تسبب القلق السعودي لقربها من حدودها، والتي تريد واشنطن دفع داعش لبلوغها بعد الانسحاب من الموصل عبر الأنبار. ولهذا يجري الضغط لعدم فتح العراق للمعركة مع داعش هناك، والضغط لمنع الحشد الشعبي من إغلاق الحدود العراقية مع سورية أمام داعش. وتقول المعلومات الواردة من واشنطن أن الترتيب الأميركي لزيارة رئيس الحكومة العراقية إلى البيت الأبيض هدفت لضبط هذه الترتيبات، والحركة السعودية الإسرائيلية تهدف لإقناع الأميركيين بأن الحلقة المقبلة من المواجهة مع داعش يجب أن تتم بعنوان جبهة النصرة في جبهة مقابلة لمناطق انتشارها جنوب سورية، وحيث لا وجود للحليف الكردي الذي يعتمد عليه الأميركيون في الشمال السوري، وشرط ذلك تمييع كل مساعي الحل السياسي في سورية حتى يحسم أمر النصرة كشريك أثبت أهليته، فيعامل كمكون ضمن معادلات المعارضة وليس كقوة تسبّب الحرج، كما حال الأكراد في قوات سورية الديمقراطية المصنفين إرهاباً لدى الأتراك وتتعاون معهم أميركا.

– العرض الناري المتعدّد الجهات الذي قدمته جبهة النصرة على المساحة السورية والمرشح للاتساع، يهدف أيضاً لجذب تركيا مجدداً للانخراط في الحلف السعودي الإسرائيلي ، لتفعيل جبهات جنوب وغرب حلب وجبهة الساحل السوري من ريف اللاذقية وجسر الشغور، بعدما ظهر للعلن أن أميركا وروسيا متفقتان على التعاون مع الأكراد، ولن يبيعهم أحد لأنقرة.

– مخططات على الورق، تعد أصحابها بالكثير، لكن ما جرى مع الإسرائيلي من ردع قلب المعادلات، وما جرى في حلب من نصر غير التوازنات وما يجري في جوبر من ثبات وسرعة إنجاز، وقائع تقول إنها المواجهة الفاصلة التي لا بدّ منها لتخرج السعودية وإسرائيل من الحرب بإسقاط رهاناتهما، كما أخرجت حلب تركيا بإسقاط رهاناتها. وهذا يعني أن حلب جديدة تدق الأبواب، لعلها في دوما، حيث الوجع السعودي، أو في إدلب حيث العين التركية والسعودية و الإسرائيلية ، أو في درعا حيث غرف العمليات التي يديرها السعوديون و الإسرائيليون ، وحيث قيادة النصرة، لكنها حلب أخرى تدق الأبواب، والجيش السوري إلى ملحمة بطولة جديدة تكتب مستقبل سورية والمنطقة.