لم يكن الاعتداء الارهابي الذي تعرضت له لندن منذ يومين سوى سلسلة من عمليات منظمة تقوم بها خلايا دعماً لمنظمات إرهابية من امثال "داعش" واخواتها. هذه العمليات كانت متوقعة وتحدثنا عنها في اكثر من مناسبة، وتنامت مع صدور قرار القضاء على "داعش".

ولكن اللافت في العملية الاخيرة، كان كيفية تفاعل الاوروبيين بشكل عام والبريطانيين بشكل خاص معها، ان على الصعيد الرسمي او على الصعيد الشعبي. فرسمياً، كان مثل هذا الهجوم الارهابي يفضي الى اعلان حال طوارىء مصغرة، وقطع طرقات من قبل الشرطة، او حتى استنفار على اعلى المستويات وانزال قوات اضافية من رجال الامن وربما الاستعانة بعناصر من الجيش، واخذ الدول المجاورة تدابير امنية استثنائية. اما اليوم، فبات التعاطي مع مثل هذه العمليات اقل من استثنائي واكثر من عادي.

توحي طبيعة التطورات في اوروبا، ان الاجهزة الامنية والمواطنين العاديين باتوا اكثر تقبّلاً للتعاطي مع استهدافات ارهابية، رغم الألم الذي تسببه والخوف على الحياة الذي يترافق معها. وربما يمكن القول ان سياسة "كل مواطن خفير" التي سمعنا عنها كثيراً في لبنان سابقاً، اصبحت منتشرة على صعيد واسع في اوروبا وليس فقط من باب التبليغ عما يثير الشبهات، بل ايضاً من خلال اعتماد الموضوعية والهدوء. صحيح أن الامر لم يصل الى حدود المواجهة بين المواطن والمهاجم، وهو امر يحمل الكثير من الخطر على الاول اياً كانت جنسيته، ولكن ان يتمتع الشخص بالهدوء والتعاطي بموضوعية ووعي بعد عملية ارهابية (بالسلاح الابيض او عبر دهس الناس)، لا يقلّ اهمية عن الاشتباك مع الارهابي. ومن المؤكد ان القوى الامنية تعيش أفظع فصول المواجهة في مكافحة الارهاب، خصوصاً وان طبيعة الهجمات لا يمكن ايقافها قبل حصولها، اذ يمكن لاي كان ان يحمل سكيناً او يقود سيارة او شاحنة ويحوّلها الى سلاح، والافظع ان يكون الارهابي من الاشخاص العاديين الذي لا يثير الشبهات ولا خلفية امنية او تعاطف سابق له مع المنظمات الارهابية، وعندها يصبح من المستحيل توقّع ما سيقوم به.

قد يرى البعض، وبالاخص الشرق اوسطيين، في تقبّل الاوروبيين (بشكل كبير) التعاطي مع هذه العمليات بطريقة بعيدة عن الذعر والرعب امر عادي، نظراً الى ان مواطني الشرق الاوسط عاشوا لفترات طويلة اياماً عصيبة (ولا يزالون)، وشهدوا فظائع لا يمكن تخيّلها سوى في الافلام، انما لم يكن للاوروبيين أيّ خبرة سابقة في هذا المجال، وكانوا قبل ​الحرب السورية​ يعيشون في اجواء مغايرة تماماً لما يعيشونه اليوم. هذا إن دلّ على شيء، فعلى التأقلم الاوروبي مع تطور الفكر الارهابي، وطبيعة العمليات الارهابية التي شهدها العالم في الفترة الاخيرة والتي تنبىء بتحويل أي امر عادي الى سلاح في يد الارهابيين، ما يجعل من كل شخص "مشروع ارهابي" محتمل، دون الحاجة الى تدريب نفسي وعملي. فالسكين والسيارة وحتى الحجر قد يكون خطرها موازياً لأي مسدس او رشاش، من هنا لا يصبح غريباً ان يتطلّع كل شخص في أوروبا بالآخر نظرات لا تخلو من الشبهة والقلق، وقد يكون هذا التفكير سليماً.

هل تغيّرت الحياة في اوروبا بعد الحرب السورية؟ طبعاً ودون اي مجال للتفكير، وقد اتى هذا التغيير اجتماعياً (من خلال اللاجئين)، وعملياً من خلال العمليات الارهابية، والسؤال يبقى ما اذا كان هذا التغيير سيطال الفكر العام لاوروبا واميركا بحيث يتحول المواطنون هناك الى اشخاص يحملون السلاح ويحلّون امورهم باعتماد العنف اولاً؟ لن يكون الجواب بعيداً، والفترة المقبلة ستكون شاهدة على مدى تطور هذا التحوّل، وما اذا كان القضاء على "داعش" واخواتها كفيل بايقاف انطلاقة التحولات، او ان الخلايا النائمة وتفعيلها على صعيد كبير ستوفّر الارضية اللازمة لاستمرار هذا التحول ووصوله الى اقصى حدوده.