قد يكون من باب الصدفة أن يعمد الرئيس التركي ​رجب طيب أردوغان​ إلى رفع مستوى تصريحاته ضد الغرب، عبر تحذيره من أن الأوروبيين والغربيين قد لا يكونون في مأمن في شوارع العالم في ظل الأزمة القائمة بين أنقرة والاتحاد الأوروبي، بالتزامن مع الهجوم الإرهابي الذي تعرضت له العاصمة البريطانية لندن، لكن الأكيد أن لهذا الأمر تداعيات كبيرة على الأوضاع في الإتحاد وعلى العلاقة بين الجانبين.

يمكن الجزم بأن الرئيس التركي سيرفض أي ربط بين الأمرين بأي شكل من الأشكال، بالرغم من أنه يوجه الإتهامات إلى بعض العواصم الأوروبية بأنها تمارس "الفاشية" و"النازية"، خصوصاً أن مشكلته الأساسية متعلقة بمنع عدد من التجمعات المؤيدة للاستفتاء الشعبي المرتقب في تركيا على التغييرات الدستورية، التي ستمنح أردوغان صلاحيات أوسع، لكن الخطاب السياسي الذي إنتهجته أنقرة في الآونة الأخيرة كان يوحي بأنها تريد تحويل الأزمة الدبلوماسية معها إلى حرب ضد الإسلام والمسلمين، الأمر الذي تستفيد منه الجماعات المتطرفة لتجنيد المزيد من العناصر والمتعاونين معها.

في هذا السياق، من الممكن القول أن أردوغان والأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا هي أكبر المستفيدين من هذا التوتر الدبلوماسي، الذي وصل إلى مرحلة غير مسبوقة من التصريحات والتصريحات المضادة، نظراً إلى أنه ساهم برفع نسبة تأييدهما في الأوساط الشعبية الداخلية، والهجوم الذي تعرضت له لندن قد يكون عاملاً مساعداً لخطاب الأحزاب المتطرفة داخل القارة العجوز، إلا أن ما ينبغي التنبّه له هو أن رفع مستوى التوتر في أي مجتمع يكون أكبر خدمة للجماعات المتطرفة التي تدعو إلى الكراهية والعنف.

هذا في الإطار السياسي والإجتماعي العام للهجوم الإرهابي الذي هز المملكة المتحدة، لكن على المستوى الأمني يثبت هذا النوع من العمليات العجز عن وضع حدٍّ لها مهما كانت الإجراءات الأمنية المتبعة في أي دولة، فلا توجد أي دولة في العالم قادرة على منع مواطن أو مقيم فيها من قيادة سيارة إذا كان يملك رخصة قانونية، ولا من حيازة سكين مطبخ موجود في أي بيت. وهذه هي الأدوات التي إستخدمت من قبل منفذ ​هجوم لندن​، الذي قاد سيارة دفع رباعي رمادية اللون من طراز "هيونداي" بسرعة زائدة، فدهس متعمداً عدة مشاة على جسر ويستمنستر أمام مبنى البرلمان البريطاني، قبل أن يصطدم بالجدار الخارجي للمبنى ويترجّل ليهاجم بسكين مطبخ أحد رجال الشرطة.

بالتزامن، يكشف هذا الهجوم أيضاً أن الحملات العسكرية ضد معاقل التنظيمات المتطرفة، التي يتم التركيز فيها على "داعش" في سوريا والعراق، قد تكون بلا أي أهمية بحال عدم التنبه إلى الخطابات التي تشجع على الكراهية والعنف، والتي بات من الضروري التصدي لها بكل قوة من قبل كافة المعنيين، لا بل أن هذه الحملات قد تكون باباً لدفع البعض إلى تنفيذ عمليات إنتقامية بحال لم تدار بطريقة سليمة، نظراً إلى أن تلك التنظيمات أصبحت تمتلك منذ سنوات أداة إعلامية واسعة الإنتشار، متمثلة بمواقع التواصل الإجتماعي التي تستطيع عبرها إرسال أي رسالة تريدها في لحظات.

في المحصلة، قد يكون أردوغان على حق في ما قاله عن الأوضاع في الداخل الأوروبي، لكن ليس بسبب الأزمة الدبلوماسية مع بلده بل بسبب الخطاب المتطرّف، الذي ساهم هو بشكل غير مباشر في رفع منسوب الارهاب على نحو لافت، ما يعني أن هجوم لندن من المرجح ألاّ يكون الأخير الذي ستشهده المدن والعواصم الأوروبية.