كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن ​الضرائب​ التي حاول المجلس النيابي تمريرها لفرضها على الناس، بحجّة تمويل سلسلة الرتب والرواتب في وقت كان بإمكانه التعويض عن هذا الأمر بمحاربة هدر الأموال العامة، وتحويل الفاسدين من المسؤولين الى المحاكمات، واعادة الاموال المسروقة.

وفي هذا السياق، رأت مصادر سياسية مخضرمة ان شعار محاربة الفساد تبنته العهود السابقة ولم تتمكن من تنفيذه، خصوصًا وان لبنان وقبل استقلاله وخلال الانتداب عرف هذه الظاهرة، مشيرة الى ان طموحات اللبناني كبيرة سواء كان مؤهلا لتحقيق هذه الطموحات ماليا او عاجزا عن ذلك، سلك طريق الفساد لتحقيق طموحاته، ومثله الأعلى لتحقيق خطته، المسؤول والزعيم والسياسي.

وتقول هذه المصادر انها للمرة الاولى في تاريخ لبنان التي يتم فيها تعيين وزير في الحكومة لمحاربة الفساد، مع وجود مؤسسات رقابيّة تشكّلت بمراسيم اشتراعية خلال أيّام عهد الرئيس الراحل فؤاد شهاب، وأبلت في بداياتها بلاء حسنا، وكانت مدعومة من العهد ورجاله الذين وللأسف كانوا من العسكريين ومن جهاز المخابرات، والذي كان يعرف باسم المكتب الثاني، لكن ومع مرور الوقت انحرفوا عن مهمتهم، وأصبح بعضهم جزءا من الفساد الذي أوكلت اليهم مهمة محاربته.

واشارت المصادر نفسها الى ان بدايات عمل الوزير المسمّى لمحاربة الفساد ليست مشجّعة مع الأخذ في الاعتبار انه من المبكر الحكم على أعماله، لكن من غير المقبول أن يرسل كتابا الى مؤسسة شبه رسمية يطلب منها معلومات عن سير العمل فيها، فيتلقّى جوابا من رئيس هذه المؤسّسة يلفت فيه نظره الى أنْ لا سلطة له عليه، وانه في حال أراد الحصول على معلومات تخصّ الشركة وَجَبَ توجيه كتابه الى اصحابها.

وتضيف المصادر أنّ على الوزراء الزملاء لوزير مكافحة الفساد ان يقتنعوا بالمهمة الموكولة إليه، وألاّ يسمحوا بتسريب مراسلاته اليهم عبر الاعلام، الذي ترجمها بدوره الى حد ما، بأنها نوع من الفساد.

وفي هذا السياق سألت المصادر نفسها عن الأسباب التي دفعت أحد الوزراء الى مخالفة القانون، وهذا بحدّ ذاته فسادا، ليطلب من شركات تملكها الدولة ان تتبرع او تقدّم هبة مالية نقدية الى مؤسسة رسميّة دون موافقة مجلس الوزراء كما تنصّ القوانين على ذلك.

وتعتقد المصادر نفسها أنّ فتح ملفّات قديمة في بداية محاربة الفساد عمل شاق وشبه مستحيل، نظرا الى تداخل المواطن والشركة والموظف مع أهل الحل والربط منذ سنوات، وان الخطة السليمة تكمن في ان تبدأ هذه العملية من الان وصاعدا.

وتؤكد المصادر نفسها ان البداية تكون في تحصين القضاء ليتمكّن القاضي من ان يواجه الضغوط السياسية، وهي قائمة باعتراف الجسم القضائي وكذلك الطبقة السياسية.

وفي اطار الكلام الكثير والكبير عن الفساد في مؤسسات الدولة، وفي مقدمتها مرفأ بيروت وإدارة الجمارك، سألت المصادر عمّا إذا كان لهذه الادّعاءات اليوم أدلّة دامغة لمحاسبة الفاسدين ومحاكمتهم، مشيرة الى ان الخطوة الاولى لوزارة الدولة لشؤون محاكمة الفساد هي، وعلى سبيل المثال، تكليف احد الموظفين المشهود لهم بالنزاهة، او حتى أحد رجال الامن، بوظيفة عميل جمركي لفترة معينة، يرفع بعدها تقريرا مفصلا ومدعوما بالمستندات والارقام عن مشاهداته وعن الفساد في هذه المؤسسة، وهذا الأسلوب يمكن تعميمه على مؤسسات اخرى يقال ان الفساد ينخرها، مثل الدوائر العقارية او غيرها، وعلى أساس هذه الأدلّة يتم ضرب الفاسدين الى أيّ جهة او طائفة انتموا.

وذكّرت المصادر بتحقيقات حديثة حصلت في المجلس النيابي وفي القضاء حول الإنترنت والتخابر الدولي غير الشرعيّين، ووجود أدلّة ومتّهمين، ولم يتم معاقبة رأس كبير واحد خالف القوانين الموجودة، مشيرة الى عددا من الزعماء السياسيين اعترفوا علنا بأنهم استغلّوا مكانتهم ودورهم وحصلوا على أموال طائلة من خزينة الدولة.

وتختم المصادر أن باستطاعة الوزير نقولا التويني، ريثما ينتهي من وضع التشريعات والقوانين التابعة لوزارته، ومن خلال القوانين الموجودة وعبر خطة سريعة شبيهة بالخطط التي يلجأ اليها الأمن لكشف المجرمين، أن يحقق انجازا ولو ضئيلا يكون بمثابة تأكيد على جديّة الدولة في محاربة الفساد، ورادعا لأيّ مسؤول او سياسي يسخر من محاولة الدولة محاربة الفساد، علما ان الوزير تويني يحظى بتأييد مطلق من سيّد العهد الرئيس العماد ميشال عون.