لم يكن خفياً ان العلاقة بين حركتي "فتح" و"حماس" الفلسطينيتين، لم تكن على ما يرام منذ فترة طويلة، وان محاولات المصالحة بينهما والتي دخلت فيها قطر على الخط، اصطدمت بحائط مسدود ولو ان الخلاف لم يصل الى حد الصراع المسلح داخل الاراضي الفلسطينية.

ولكن الخلاف تعدى الحدود الجغرافية للاراضي الفلسطينية ووصل الى خارجها حيث بدا واضحاً مدى التعارض الكبير للطرفين في ليبيا وسوريا والاردن وصولاً الى لبنان. لكن التطورات الاخيرة التي حصلت دفعتهما على ما يبدو الى اعادة النظر بهذه العلاقة، وتحديداً عبر السبيل اللبناني. بداية التحول الرسمي كانت بعد زيارة الرئيس الفلسطيني ​محمود عباس​ الى بيروت الذي تحدث مع المسؤولين اللبنانيين الذين التقاهم عن محاولات للوصول الى نقطة التقاء مع "حماس" سياسياً وامنياً، وان الامور ستتجه الى التصعيد في حال فشل هذا الهدف. وبعد التحرك الاستخباراتي اللبناني والجهود التي بذلت مع مدير عام الامن العام اللواء المتقاعد ​عباس ابراهيم​، اقتنعت "حماس" بضرورة الحد من الخلاف الامني داخل المخيمات في لبنان وبالاخص في مخيم عين الحلوة، فانخفضت حدة التوتر وانتقلت المسألة من اشتباكات الى مناوشات.

التحول الرسمي الثاني كان اكثر وضوحاً ويتعلق بالسياسة. فيوم الجمعة الفائت، زار ​قصر بعبدا​ وفدين فلسطينيين الاول مبعوثاً من الرئيس الفلسطيني وحركة "فتح"، والثاني من حركة "حماس"، واللافت ان ما صدر بعد اللقاءين صبّ في خانة ال العمل على رأب الصدع في العلاقة بين الحركتين. وقد أُتبع هذا الموقف بما تردد عن لقاء هامّ عقد بين الوفدين في صيدا، وعن اجواء "ايجابية" تخللته.

مصادر متابعة للملف الفلسطيني رجّحت ان تكون عدة عوامل قد تقاطعت وادّت الى حصول هذه الانفراجات، ومنها اقتراب موعد القمة العربية وضرورة أن يصدر الموقف الفلسطيني موحداً بحيث يأخذه الآخرون بالاعتبار بدل ان يتجاهلوه بشكل تام، فتكون الخسارة نسبيّة وليست كاملة. واضافت المصادر ان الحركتين ادركتا ان تعاظم الخلاف بينهما من شأنه ان يفضي الى تقوية تيارات وحركات وفصائل ستحاول بشتى السبل فرض نفسها على الساحة، وبالتالي اقتطاع قدراً لا بأس به من صلاحيات ونفوذ "فتح" و"حماس" الامني والسياسي بطبيعة الحال. ومن العوامل الضاغطة ايضاً، الرسائل اللبنانية الشديدة اللهجة التي طاولت الوضع الامني في المخيمات، المدعومة بموافقة عربيّة وغربيّة على عدم السماح بالمساس بالاستقرار اللبناني ووضعه كخط احمر بالنسبة الى الجميع، بمن فيهم الفلسطينيون. ووفق المصادر ايضاً فإن هذه العوامل كانت محطّ درس وبحث لدى الحركتين ووصلتا الى نتيجة مفادها ان توسع الخلاف الى خارج الاراضي الفلسطينيّة لم يساهم في تقوية أي فريق، لا بل اضعفهما معاً ما دفع بالدول المعنية الى تشديد الضغط السياسي والامني عليهما وسط قرار اقليمي-دولي بالحد من التمويل والدعم المالي والسياسي.

واشارت المصادر الى أنّ ما ستؤول اليه العلاقة بينهما على الارض اللبنانية خلال الايام القليلة المقبلة، كفيل باعطاء صورة واضحة عما سيكون عليه الاتجاه الفلسطيني بشكل عام في لبنان وخارجه. وقد تكون الفرصة متاحة اليوم اكثر من أيّ وقت مضى، لاستغلال الوضع الذي تعيشه المنطقة والتخبّط الاقليمي في الصراع السوري الذي جذب اللاعبين الدوليين الى ارض المعركة، بعد ان كانوا يكتفون بالتواجد السياسي فيها او العسكري الرمزي، لِتخف بالتالي حلقة الضغوط التي كانت مفروضة على الفلسطينيين في السابق، وتقوى في المقابل السبل التي ستعزز الموقف العام.

فهل يمكن القول ان بوابة عودة العلاقات بين "حماس" و"فتح" ستفتح من لبنان؟، لا يزال الوقت مبكراً للاجابة على هذا السؤال، الا ان واقع الامور يشير الى ان البداية من الاراضي اللبنانيّة مشجعة، ولكن من الصعب القول ما اذا كان التفاؤل سيبقى سيد الموقف.