فيما يتجه الاهتمام السياسي اللبناني والفلسطيني الى "القمة العربية" المزمع عقدها يومي الثلاثاء والاربعاء القادمين في العاصمة الاردنية عمّان، والقرارات التي ستصدرها على ضوء جملة من الملفات الساخنة التي تؤرق بعض الدول ومن بينهم ​القضية الفلسطينية​، تستريح الحركة السياسية الفلسطينية موقتا، بعدما حفلت الاسبوع الماضي بسلسلة تطورات تحوّل فيها عين الحلوة مع جولة جديدة من الاشتباكات الى "صندوق بريد" في مختلف الاتجاهات، تعمل القوى على فك "شيفرتها" التي جاءت كالعادة بـ"النار" و"البارود"، وسط محاولات "خجولة " لرأب الصدع "الفتحاوي-الحمساوي"، قبيل القمة بحثا عن موقف موحّد لمخاطبة المشاركين فيها في ظل الانقسام والتعثر في خطوات المصالحة الوطنية.

اولى التطورات، الزيارة التي قام بها كل من عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" المشرف على الساحة اللبنانية عزام الاحمد ونائب رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" الدكتور موسى ابو مرزوق، الى بيروت، حيث كانت مناسبة لعقد لقاء مطول بين وفدين قياديين، وصف بانه "ايجابي"، بعد فترة من الفتور في العلاقات وانقطاع التواصل بين الطرفين، منذ ان عقدت اللجنة التحضيرية للمجلس الوطني الفلسطيني اجتماعاتها في بيروت في بداية كانون الثاني الماضي.

واللقاء الذي شارك فيه عن حركة "فتح"، اضافة الى الاحمد، السفير الفلسطيني في لبنان أشرف دبور، امين سر الساحة فتحي ابو العردات، وعن "حماس" اضافة الى أبو مرزوق، مسؤول العلاقات العربية والدولية اسامة حمدان وممثل الحركة في لبنان علي بركة، احيط بكتمان شديد تناول محورين، الاول المصالحة الوطنية والعقبات التي تحول دون التقدم خطوات الى الامام رغم كل التوافق السابق بين الطرفين وجرى الاتفاق على جملة من العناوين ومنها ما يمثل "حسن نوايا"، فيما "لم يغب عن اجواء اللقاءات، التحضير للقمة العربية التي ستعقد في الاردن وضرورة توحيد الموقف العربي في ضوء الزيارات المرتقبة لكل من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والعاهل الاردني الملك عبدالله الثاني والرئيس محمود عباس "ابو مازن" الى واشنطن، للقاء الرئيس الاميركي دونالد ترامب، واعادة اللحمة والوحدة والاستقرار من خلال حلول سياسية للازمات وحالة الاقتتال التي تشهدها بعض الاقطار العربية.

والثاني الوضع الامني في المخيمات الفلسطينية وخصوصًا عين الحلوة، على ضوء الاشتباكات الاخيرة المتتالية، والجهود التي تبذل لإعادة تفعيل وتشكيل القوة الامنية الفلسطينية المشتركة، وقطع الطريق على كل محاولات الغرباء والامتدادات الاقليمية والدولية لاستخدام المخيم الفسلطيني لضرب الاستقرار في لبنان، فضلا عن اهمية تفعيل أطر العمل المشترك، بحيث تشكل مظلة حماية سياسية في ظل محاولات حرف الانظار عن القضية الاساس فلسطين وحق العودة وايقاع الفتنة الداخلية ومع الجوار اللبناني، وصولا الى استخدام ورقة المخيم كـ"صندوق بريد" لتوجيه رسائل متعددة الاتجاهات.

وأكدت مصادر فلسطينية لـ "النشرة"، ان رئيس المجلس النيابي، رئيس حركة "أمل" نبيه بري لعب دورا بارزا في تقريب وجهات النظر بين الطرفين لا سيّما بعد قيامهما بزيارتين منفصلتين اليه بفارق ساعات، الامر الذي ازعجه ودفعه الى المضي قدما في ردم الهوة، واعدا بالمزيد من الجهد في تقريب وجهات النظر بين الفصائل الفلسطينية، وانه سيتابع الامور التي تحول دون تنفيذ بيان بيروت بتشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينيّة بين كافة الفصائل، وانهاء الانقسام تمهيدا لعقد المجلس الوطني بشكل متزامن، خاصة بعد اللقاء الذي عقدته اللجنة التحضيرية للمجلس الوطني الفلسطيني في بيروت، ناهيك عن جهود المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم.

انتكاسة أمنية

ثاني التطورات، الانتكاسة الامنية الجديدة في ​مخيم عين الحلوة​ مجددا، حيث سقط قتيلان وخمسة جرحى في حادثين منفصلين، الاول في منطقة "الطوارىء حين تطور اشكال على خلفية عدم السماح بمرور دراجة نارية يستقلها شخصان، بين عنصر من حركة "فتح" وناشط اسلامي، تطور الى اطلاق نار بين منطقتي الطوارىء معقل "الاسلاميين" والبركسات معقل "فتح"، ما ادى الى مقتل محمود السيد، والثاني اغتيال "الفتحاوي" محمد جهاد محمد الملقب بـ"الجندواي" داخل سوق الخضار وعقبها توترا امنيا لافتا استخدمت فيه قذائف "ار.بي.جي"، اضافة الى القاء قنابل يدوية تركز بين منطقة سوق الخضار ومنطقة الطيرة ولم يتخذ شكل الاشتباك المباشر بين طرفين.

واكدت مصادر فلسطينية لـ"النشرة"، انه لا يمكن الجزم بان الحادث الاول مدبرا، اذ اظهر شريط فيديو تفاصيل الاشكال وان تطوره "بنت ساعته"، ولكن بالمقابل يمكن الجزم ان الفراغ السياسي لجهة تعليق عمل اللجنة الامنية الفلسطينية العليا في لبنان والامني لجهة حل القوة الامنية المشتركة في المخيمات، والتعثر" حتى الان في اعلان ولادة القوة المشتركة" وفق ما اتفقت عليه القوى الوطنية والاسلامية شكّلا ساحة خصبة لطول أمد اطلاق النار وعدم تطويق الحادثين مباشرة.

في الاروقة الفلسطينية الداخلية، ثمة من يقول انه جرى استغلال الحادثين لتوجيه رسالة بان "القوة المشتركة" ممنوع عليها العمل والنجاح، وان التوتير جاء ليقطع الطريق على سرعة انتشارها في المناطق الساخنة" في ظل اعتراضات بعض الناشطين الاسلاميين وان جرى تذليل غالبيتها، وثمة من يقول ان المخيم سيبقى محموما بمعادلة الامن بالتراضي والمربعات الامنية ويترنح تحت "الامن الهشّ" وعدم "الانفجار الكبير"، طالما ان احدا لا يستطيع الحسم بالغاء الاخر.

عهدة الامن

ثالث التطورات، اعلان حركة "انصار الله" بزعامة جمال سليمان توليها مهام حفظ الامن والاستقرار في مخيم عين الحلوة بعد انسحاب عناصر حركتي "فتح" و"حماس" من احد المواقع، والذي طرح اكثر من تساؤل لجهة التوقيت وكأنه اشارة ضمنية الى حصر الاهتمام بـ "القوة المشتركة" في عين الحلوة، دون الاخذ بعين الاعتبار الوضع الامني في المية ومية.

وأكّدت حركة "انصار الله" انها نشرت عناصرها في المخيم لتعطي الأمان إلى العائلات الفلسطينية بمن فيهم الأطفال والنساء، مؤكدة اننا "لن نسمح لأي كان أن يعبث بأمن شعبنا وبهذا المخيم"، مطالبة كافة الجهات بإعادة حساباتها قبل فوات الأوان.

ورسم القيادي ماهر عويد "خارطة طريق" لاستقرار المخيمات وخاصة عين الحلوة والمية ومية، معددا بضعة خطوات ومنها "رفع عديد وعدة القوة المشتركة وأن تكون رادعة في معالجة كل الأمور الطارئة، والتواصل السريع مع الأجهزة الأمنية اللبنانية لإيجاد القواسم المشتركة في حل قضايا المطلوبين وأن تكون المحاكمات سريعة وبناءة، وإجراء المصالحات العائلية وإبعاد لغة السلاح عن أيّ مشكلة تحصل، بالإضافة إلى تفعيل دور اللجان المحلية في حل المشاكل العالقة وتحصين البيت الداخلي الفلسطيني، والدعوة إلى مؤتمر شعبي يكون حاضن لأي تحرك من الممكن أن يؤدي إلى إبعاد شبح الدمار والخراب عن المخيمات".

وبين هذه الملفات الثلاثة، يبقى التساؤل مشروعا الى متى يبقى ابناء عين الحلوة يدفعون ثمن الخلافات السياسية والاشتباكات المسلّحة، من ارواحهم ودمائهم وممتلكاتهم وقد اضطر بعضهم الى النزوح القسري او الطوعي حفاظا على حياتهم، فيما يغيب القرار السياسي بدفع التعويضات المالية وكأن ما جرى هبط من السماء الى ارض المخيم بالمظلة.