قبل نحو عام من الآن، أعلن رئيس الوزراء التركي السابق أحمد داود أوغلو، خلال زيارة قام بها إلى العاصمة الإيرانية طهران، أن وجهات النظر يمكن أن تختلف بين الجانبين، لكن تعاونهما يمنع دخول الأجانب إلى المنطقة، إلا أنه في الوقت الراهن يبدو أن المشهد تبدل على نحو دراماتيكي، حيث لا يمكن الحديث عن وجود مثل هذا التعاون، ولا عن إمكانية منعه دخول من وصفهم أوغلو في ذلك الوقت بـ"الأجانب" إلى المنطقة.

على الساحة السوريّة اليوم يمكن الحديث عن قوّتين أساسيتين‎، ​روسيا​ و​الولايات المتحدة​، تتنافسان ضمن حدود عدم الوصول إلى مرحلة الصدام المباشر بأي شكل من الأشكال، وهو المشهد الذي بات يتضح بشكل أفضل مع تسلم الرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​ السلطة مع بداية العام الحالي، حيث يتم الإعلان عن الخطوات الجديدة تباعاً، في حين سيطرت على السنوات السابقة من الأزمة أدوار اللاعبيين الإقليميين، لا سيما تركيا وإيران.

في هذا السياق، تنطلق مصادر مطلعة، عبر "النشرة"، من تصريح أوغلو المذكور آنفًا للتأكيد على المعادلة التي تنص على أن حضور اللاعبين الكبار يضعف دور من يصنفون بالأصغر حجماً، وتؤكد بأن أنقرة وطهران هما أبرز الخاسرين من الواقع المستجد، خصوصاً أن تركيا تواجه أزمة دبلوماسية غير مسبوقة مع البلدان الغربية، إنفجرت مؤخراً مع دول الإتحاد الأوروبي، في حين أن إيران، التي لم تخرج بعد من أزمتها مع البلدان الخليجية، تدرك جيداً أن العلاقة مع واشنطن بقيادة دونالد ترامب ستكون مختلفة كلياً مع تلك التي كانت قائمة في عهد الرئيس السابق باراك أوباما.

إنطلاقاً من هذا الواقع، تقرأ هذه المصادر الإصرار الأميركي على التعاون مع قوات "سوريا الديمقراطية" في معركة تحرير مدينة الرقة من عناصر تنظيم "داعش" الإرهابي، مقابل إبعاد الفصائل التي تدور في فلك أنقرة عن هذه العملية، بالتزامن مع إصرارها على تصنيف هيئة "تحرير الشام"، التي تضم جبهة "النصرة" سابقاً وبعض الفصائل الأخرى، منظمة إرهابية، وتعتبر أن في ذلك رسالة واضحة إلى الجانب التركي مفادها بأن واشنطن تريد أن تتولى الإدارة المباشرة في المناطق التي تقع تحت نفوذها، لا الإدارة بالوكالة عبر تسليمها إلى جهات تدور في فلكها، لا سيما أن العلاقة بين أنقرة والأكراد ليست على أحسن ما يرام، بل هي عدائية إلى حد بعيد.

في المقابل، تلاحظ المصادر نفسها تراجعاً في النفوذ الإيراني في سوريا منذ الدخول الروسي المباشر على خط الأزمة السورية، حيث باتت قيادة العمليات العسكرية من مهام موسكو بشكل أساسي، من دون أن يعني ذلك عدم إستمرار التعاون مع طهران، وتشير إلى أن هذا الأمر يترجم في المرحلة الراهنة عبر تحول روسيا إلى جهة مقبولة لدى بعض فصائل المعارضة السورية، في حين تستمر الإنتقادات التي توجه إلى إيران، وتضيف: "هذا الأمر يعود أولاً إلى أن تلك الفصائل تدرك جيداً أنها لا تستطيع الوقوف بوجه موسكو".

في الصورة العامة، يمكن القول أن معادلة أي تسوية سياسية للأزمة السورية يجب أن تقوم بين محورين: الأول تقوده الولايات المتحدة ويضم تركيا وبعض الدول الخليجية بالإضافة إلى فئات محددة من المعارضة، الثاني تقوده روسيا ويضم إيران والحكومة السورية، وهي باتت ترسم إنطلاقاً من مناطق النفوذ التي يسيطر عليها كل محور، من دون إهمال الصراع القائم على المناطق التي تتواجد فيها التنظيمات المصنفة إرهابية.

بناء على ذلك، تعتبر المصادر المطلعة أن العمليات العسكرية التي تقوم بها الفصائل المعارضة، بالتعاون مع هيئة "تحرير الشام"، ضد العديد من المناطق التي تقع تحت سيطرة ​الجيش السوري​ هدفها الضغط على المحور الذي تقوده موسكو لمنعه من التوسع أكثر، في حين يتولى المحور المقابل الذي تقوده واشنطن الإسراع في خطواته لتحرير مناطق جديدة من "داعش"، وهو ما حصل بشكل فعلي في نهاية الاسبوع المنصرم عبر قوات "سوريا الديمقراطية"، بينما بات على تركيا الإكتفاء بالمنطقة التي وصلت إليها بعد سيطرتها على مدينة الباب.

من وجهة نظر هذه المصادر، هذا السيناريو الذي كان حاضراً في الشمال السوري، في المرحلة السابقة، سينتقل في المستقبل القريب إلى الجنوب السوري، حيث الحديث عن عملية عسكرية تستهدف منطقة حوض اليرموك التي يسيطر عليها "داعش"، وسيكون الدور الأبرز فيها للجانب الأردني بالتعاون مع بعض الدول العربية الأخرى، بالإضافة إلى الجانب الإسرائيلي الذي لديه مصالحه المعلنة فيها، لكنها تشير إلى أن السيناريو الذي سيتم التعامل فيه مع المناطق التي تسيطر عليها "تحرير الشام"، خصوصاً ادلب، لا يزال غامضاً، في ظل التداخل مع النفوذ بين الهيئة التي تُصنف إرهابية وفصائل أخرى تُصنف معتدلة.

في المحصلة، الميدان السوري، الذي لا يزال العامل العسكري هو اللاعب المحوري فيه، مقبل على موجة واسعة من التحولات في الفترة المقبلة، لكن في ظل معادلة واضحة المعالم عنوانها تقاسم النفوذ بين اللاعبين الروسي والأميركي مقابل تراجع حضور باقي اللاعبين.