على الرغم من وجود قوانين دولية ترعى ترسيم الحدود البحرية بين الدول المتجاورة وتنظم تقاسّم الثروات في البحار، الا ان هذه القوانين لم تمنع من استمرار الخلافات في اماكن عديدة من العالم. خصوصا في المناطق التي لم ترسم الحدود بين دولها ما يحول دون تحديد الحقوق والحصص بين معظم بلدانها التي لديها حدود مشتركة في المياه البحرية او النهرية...

وفي هذا الاطار فإن لبنان المحاط بحره بثلاث دول هي سوريا، قبرص، و​فلسطين​ اهمل رسم حدوده مدة طويلة من الزمن وذلك لاسباب عديدة لا مجال لذكرها في هذا المقال... ولكن ومع تطور الاكتشافات النفطية البحرية في المتوسط عموما اهتمت الحكومات اللبنانية المتعاقبة منذ العام 2002 على ترسيم الحدود البحرية من دون ان تكتمل هذه العملية حتى تاريخه... ففي العام 2010 جرى الإتفاق للبدء بالقيام بأعمال ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وسوريا، خصوصا وانه هنالك تداخلاً بين الحدود البحرية للبلدين، ولكن اندلاع الاحداث في سوريا وتوتر العلاقة بين لبنان وسوريا حال دون الانتهاء من هذا الملف. وللمفارقة انه وقبل اندلاع الازمة السورية قام هؤلاء بترسيم حدودهم البحرية كما قاموا بترسيم مناطق الإستكشاف النفطية وأطلقوا دورة تراخيص، وتبين ان اهم هذه المناطق مجاورة للحدود اللبنانية.

قبل ذلك وتحديدا في العام 2007، وقّع لبنان مع قبرص اتفاقية حول تعيين حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة، والتعاون فيما بينهما لاستثمار الثروات النفطية. وفي حين أن قبرص قامت بإبرام هذا الإتفاق الا ان المجلس النيابي اللبناني لم يصدق عليها لغاية تاريخه... وقد ارتكزت هذه الاتفاقية الى مواد اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار. ومن خلالها تمّ تحديد المنطقة الخالصة بين لبنان وقبرص على اساس خط الوسط.وتمّ تحديد خط حدود بحري ما بين النقطة 1 جنوبًا والنقطة 6 شمالًا، مع توضيح مفاده أن النقطتين المذكورتين غير نهائيتين بانتظار التفاوض مع الدول المعنية. وبالعودة الى نص الاتفاقية يتبين لنا انه قد جاء في المادة الثالثة منها ما يلي "إذا دخل أي طرف من الطرفين في مفاوضات تهدف إلى تحديد المنطقة الاقتصادية الخالصة مع دولة أخرى، يتعين على هذا الطرف إبلاغ الآخر والتشاور معه قبل التوصل إلى اتفاق نهائي مع الدولة الأخرى".

الا انه وفي العام 2010 وقعت قبرص اتفاقية مع ​اسرائيل​ لتحديد المنطقة الاقتصادية الخالصة بينهما، متجاهلة ما تمّ الاتفاق عليه مع لبنان واعتبرت الاتفاقية ان الحدود النقطة 1 وليس 23، ما سمح لإسرائيل ان تدخل الى المنطقة الخالصة اللبنانية بشكلٍ مثلّث راسه في رأس الناقورة وقاعدته في اتجاه قبرص، ومساحة هذا المثلث تبلغ نحو 862 كلم2.هذا الواقع دفع المعنيين الى التحرك فوجه لبنان بتاريخ 20 حزيران 2011 كتاب اعتراض إلى الأمين العام للأمم المتحدة، على الاتفاق الموقع بين قبرص وإسرائيل، معتبراً أن اعتماد هذا الاتفاق النقطة 1 كنقطة فصل مشتركة ما بين لبنان وإسرائيل يتنافى مع النقاط الجغرافية التي كان أودعها لبنان الأمم المتحدة، بتاريخ 19 تشرين الأول 2010 وبالتالي فانه بالنسبة الى لبنان فان هذا الاتفاق يشكل اعتداءً واضحا ًعلى منطقته الإقتصادية الخالصة... علما ًأن إسرائيل تستمر بعمليات إستكشاف وإستخراج واستثمار حقولها النفطية في مياه المتوسط على الرغم من هذه الإشكالية الحدودية. وما يزيد الاشكالية تعقيدا ان اسرائيل لم توقع على معاهدة "قانون البحار" العائدة للعام 1982 على عكس لبنان الذي انضم اليها في العام 1984، ما يمنعه من اللجوءاليها لصيانة حقوقه، من هنا لم يبقى امام لبنان سوى اللجوء الى الوساطة عبر الامم المتحدة او عبر الولايات المتحدة للعب دورا ليستعيد حقوقه التي تحاول اسرائيل ان تسيطر عليها عنوة. وللمحافظة على المنطقة إلاقتصادية البحرية الخالصة العائدة الى لبنان والتي تبلغ مساحتها 22 الف و500 كلم2 حسب القوانين الدولية.

كل هذه التعقيدات الحدودية تشكل تحديات جدية امام استفادة لبنان من هذه الثروة الجديدة، ولن يشجع الشركات العالمية المحترمة على العمل في مناطق النزاع خصوصا ان البلوك 9 يعتقد انه يحوي مكامن غاز قد تزيد عن 7 ترليونات قدم مكعب، في حين ان الاقتصاد اللبناني بأمس الحاجة الى هذه الثروة لإنعاشه من الموت السريري القابع فيه بينما دول الجوار ماضية في عمليات التلزيم!

*المحامية ​كرستينا ابي حيدر​- خبيرة قانونية بشؤون الطاقة