– خلال شهور أعقبت لقاء موسكو الذي جمع روسيا وتركيا وإيران في أعقاب تحرير حلب الذي كان ثمرة التعاون السوري الروسي الإيراني مع المقاومة، شهدت المنطقة وخصوصاً سورية مجموعة تطورات أقرب للاختبارات الكبرى للخيارات الكبرى، بحيث تشكل إضاءة على المسائل التي يحتاج صاحب القرار استكشافها قبل وضع النقاط على الحروف.

– جرى اختبار الرئيس الأميركي الجديد الذي خاض حملته الانتخابية تحت عناوين الحرب على داعش والتعاون مع روسيا، حيث ظهر، بعيداً عن تفسير الأسباب، أنّ التعاون المرتقب مع إدارة ترامب حين حدوثه سيكون مشروطاً بمعادلتي موازين القوى الحاكمة في سورية لصالح روسيا وحلفائها من جهة، والضوابط التي سيضعها الممسكون بالقرار الميداني الأميركي في البنتاغون والمخابرات، من جهة أخرى، فقد صار ثابتاً أنّ التردّد والارتباك يطبعان وضع الإدارة الأميركية الجديدة، والعجز عن المضيّ قدماً في تعاون سلس مع روسيا كما كان الإيحاء في شعارات الحملة الانتخابية، بل إنّ التعاون مع روسيا لم يعُد ممكناً إلا بصفته كأساً مرّة يفرضها الواقع وتبدو لا غنى عنها، حتى تصير واردة في السياسة، ومراكز صنع القرار محكومة بالروسيا فوبيا، وتحاول تحميل هذا التعاون رغم ظهوره حاجة أميركية، شروطاً لا يمكن قبولها من جانب روسيا كمثل انتزاع دور لـ«إسرائيل في أمن سورية، وتحجيم العلاقة مع إيران وإضعاف حزب الله.

– جرى اختبار فرص التعاون الاستراتيجي مع تركيا في ضوء تجربتها المرّة بالرهان على الخيار العسكري، كما بدا الأمر بالتمهيد التركي عبر الاعتذار من روسيا والسعي لترميم العلاقة معها، وما تكرّس بعد تحرير حلب من تموضع على خيار التعاون الروسي التركي الإيراني لصناعة مسار سياسي جديد في سورية، انطلاقاً من مسار أستانة، وبعيداً عن المآل الذي سينتهي إليه الأتراك، فقد أوضحت الاختبارات أن لا تحوّلات استراتيجية في الأداء التركي، رغم تعاقب الخيبات، من معركة الباب العدمية التي لم تحقق هدفها بمقايضة أميركية تفسح المجال للأتراك بدخول منبج والرقة، وتقديم رأس الأكراد لهم هدية، أو بما يفعلونه عبر تعطيل مسار أستانة وأخذ الفصائل التابعة لهم في حرب مجنونة وراء جبهة النصرة ضمن حسابات سعودية إسرائيلية .

– إسرائيل اللاعب الواقف وراء الستار في السياسات الأميركية والتحالفات السعودية والتركية، هي الأخرى عاشت روسيا معها اختبار احترام الضوابط والخطوط الحمراء، وبدت عبثية مستهترة، مستعدّة للعب على حافة الهاوية، تتسلل وراء الطائرات الأميركية التي تغير على موقع للقاعدة غرب حلب لتضرب مواقع للجيش السوري في تدمر، لتأخير وصول الجيش السوري إلى ضفاف الفرات، وترفع معنويات قادة الجماعات المسلحة المنهارة لتقول لهم لستم وحدكم، تماماً كالغارة الأميركية على دير الزور التي استهدفت مواقع حساسة للجيش السوري. وببساطة لم تقم إسرائيل حساباً لرمزية الغارة وقد أنهى رئيس حكومتها زيارة لموسكو للتوّ، ولا لما سمعه من الرئيس الروسي، ما وضع المواجهة السورية الإسرائيلية على شفا حرب.

– السعودية هي الأخرى لم تتلقف رسائل موسكو وطهران للحوار والسير بالحلول السياسية، ولا تزال تدعم جبهة النصرة وتراهن على التلاعب بالتوازنات السورية، وتمضي رغم التحذيرات من العواقب الوخيمة في حرب التدمير في اليمن، وتخوض رهانات خرقاء على تشجيع واشنطن لخوض المزيد من المغامرات، وقد ضربت عرض الحائط برسائل موسكو عبر القاهرة وعمّان حول الدعوة لتطبيع العلاقة العربية الرسمية عبر الجامعة العربية مع سورية، لحجز مقعد عربي في التسوية السورية المقبلة.

– الخلاصة الاستراتيجية التي ستكون على طاولة الزعيمين الدولي الأول والإقليمي الأول، هي أنّ الساحة ليست ناضجة بعد للتسويات من جهة، ومن جهة مقابلة فإنّ ما قدّمته المعارك والانتصارات المحققة، والحضور العسكري الرادع في سورية ليس كافياً لبلوغ منسوب العقلانية المطلوب من اللاعبين الدوليين والإقليميين لصناعة الضوابط والكوابح المطلوبة، وأن جرعة ردع عسكرية وازنة لا بدّ منها في الميدان لخوض اختبار جديد بعدها لاستكشاف مدى الجهوزية للانخراط السياسي الجدّي.

– ليست صدفة القمم التي سبقت هذه القمة المرتقبة، وقد التقى الرئيس الروسي بكلّ من الرئيس التركي ورئيس حكومة الاحتلال، لتكون القمة الروسية الإيرانية قمة القمم.