لا يتوقع لا العرب ولا عواصم العالم أن تُنتج قمة الدول العربية المنعقدة في الاردن أية قرارات مفصلية عملية. المسألة تتعدى التباينات الجوهرية القائمة بين تلك الدول، إلى قياس القدرة العربية تاريخياً على فرض أي قرار. منذ أيام قمة الخرطوم واللاءات الثلاث التي ذهبت هباء منثوراً، والتراجع العربي يتدرج، فلا شعارات نفعت، ولا مبادرات فُرضت، كما حال مبادرة السلام التي أُعلنت من قمة بيروت، ولم تعرها ​اسرائيل​ أي اهتمام، وبقي صداها على الورق وفي الخطابات، لرفع العتب. المشكلة ان القمة العربية الحالية ادرجتها مجدداً بنداً اساسياً في جدولها. على ماذا يراهن العرب؟ هل يودون فقط كسب رضى وثقة الرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​؟ ام لدغدغة تل ابيب؟ يبدو الأمر تحضيراً لمشروع "ناتو خليجي-إسرائيلي" تسوّق له عواصم عربية، انطلاقاً من عنوان مبادرة السلام، ويكون موجهاً ضد إيران.

في تل أبيب ارتفعت الأصوات تُطالب بالحلف مع العرب. في صحيفة معاريف العبرية كتب عاموس جلبوع مقالا تحت عنوان: بضمان محدود، بحث فيه فكرة "اكتسبت القلوب في اسرائيل، وهي حلف ترتيبات امن مع الدول السنية المعتدلة حيال التهديد ال​ايران​ي المشترك". التركيز الإسرائيلي يجري حول النهج المتداخل أي "صنع السلام مع الفلسطينيين، بمساعدة تلك الدول، وعندها لا يحصل فقط التوصل إلى تسويات سلمية مع دول الخليج، بل يُصار إلى خلق حلف عسكري ضد ايران".

الكاتب الاسرائيلي نفسه وهو محلل وباحث سياسي يدعو للانطلاق من العداوة لايران، لمحاربتها و"اذيالها". هو لا يرى مانعاً من البدء من تحت الطاولة، ولكن ينبغي برأيه فهم أن "هناك فجوات جوهرية بين الواقع الأمني الذي تعيشه السعودية، وبين واقع تل أبيب في سياق ايران". وتلك فجوات تضع قيودا بشأن التعاون. انطلاقا من أن "الخطر على الخليج قائم من الداخل وفي اليمن وعلى الحدود مع العراق، بينما التهديد النووي الايراني ضد اسرائيل بعيد".

الإسرائيليون بالوقت نفسه لا يريدون أن يكونوا طرفا في الصراع. فليكن التقاتل سنياً-شيعياً. هذا ما ركزت عليه الصحافة الإسرائيلية في دعوتها للحذر من أي خطوة ناقصة. تل أبيب تريد أن تتفرج على النزاع بين العرب وإيران. هي تشحن، وتشجع، وتصفق.

من هنا جاء مشروع المبادرة الإسرائيلية كرد على المبادرة العربية: المواصلة في كل العلاقات الأمنية والمحتملة الأخرى من تحت الرادار مع الدول العربية، وبمشاركة إدارة ترامب.

التكتيك الإسرائيلي يقوم وفق رأي جلبوع نفسه، على قاعدة : عدم إدخال اصبع في عيون الدول المعتدلة من خلال خطوات، مثل ضم مناطق فلسطينية جديدة، أو الظهور كرافضين للحوارات السياسية مع السلطة الفلسطينية اذا بادر ترامب لذلك.

الاهم أن الإسرائيليين عبروا عن عدم حاجتهم لحلف عسكري مع دول خليحية. الأمر لا يفيدهم بشيء . ما يفيدهم هو تغذية النزاع بين العرب وايران طويلاً. هذا ما يطلبونه من العرب: صراع مع طهران لا ينتهي، فيضعف الاثنين، وتتفرج اسرائيل عليهما، مطمئنة أن "زمن التقريع عليها قد ولّى" كما جاء في عبارة سفيرة واشنطن في الأمم المتحدة. حالياً تل ابيب تحظى بدعم ترامبي مفتوح، وهذا ما سيؤكده الرئيس الاميركي للرئيسين المصري ثم الفلسطيني بعد أيام. لكن كيف ستتصرف روسيا ازاء تهديد طهران؟ كل التركيز في القمة التي عُقدت بين الرئيسين الايراني والروسي كان على "شراكة استراتيجية" بين طهران وموسكو. اللافت أن فلاديمير بوتين استحضر في كلامه تركيا أكثر من مرة كشريكة للروس والايرانيين. فهل يتدخل لتسوية العلاقات بين انقره وطهران؟ لمَ لا؟ خصوصا أن اهتمام موسكو لا ينحصر بسوريا بل يصل إلى أفغانستان. وهنا يبدو الدور المحوري أيضا لايران.