تميزت قمة بحر الميت الـ28 في الشكل والمضمون عن باقي القمم العربية، وخاصة القمة الاخيرة التي عقدت في موريتانيا.

ففي الشكل كان لافتا نسبة التمثيل ومستوى الحضور العربي، اضافة الى وجود وفد أميركي وآخر روسي، وكذلك الموفد الاممي للأمم المتحدة في سوريا ستيفان دي ميستورا وممثلة الاتحاد الاوروبي وممثل عن الاتحاد الأفريقي .

اما في المضمون فكانت الأزمات الراهنة للأمة العربية في صلب اللقاءات التي حصلت بين الزعماء العرب، في اطار الجهود التي بذلها الملك الاردني عبدالله الثاني، للتوفيق بين كل من مصر والمملكة العربية السعودية، والمحاولة التي يبدو انها لم تنجح بالكامل لتعبيد الطريق حول تفاهم مصري-قطري .

وفي هذا السياق أكدت مصادر عربية دبلوماسية في القمّة ان مبادرة الملك الأردني لتقريب وجهات النظر بين مصر والسعودية حقّقت نجاحا كبيرا، وكان هذا الامر سببا من احد الإسباب التي جعلت العربية السعودية تقرر استضافة القمة العربيّة المقبلة في الرياض، اما في ما خَصّ جهود الملك عبدالله الثاني في ملف العلاقات السعودية -العراقية، فهناك مؤشرات بأنه حصل كسر الجليد وأن الاتصالات ستستكمل، اما بالنسبة للعلاقات المصرية القطريّة فيبدو انه لم يحصل اي تقدم يذكر، وان انسحاب الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي من الجلسة والوفد المرافق عندما بدأ أمير قطر بإلقاء كلمته، دليل واضح ان العلاقات القطريّة-المصرية ما زالت على حالها من التأزّم .

اما في ملف الأزمات العربية الاخرى، مثل الوضع في سوريا والعراق واليمن، فإذا لم يتوصل القادة العرب الى رؤية واضحة مشتركة حول الحلول المطلوبة، فأقله لم تنفجر الخلافات في هذه القمة كما كان يحصل في القمم السابقة.

واعتبرت مصادر دبلوماسية ان عدم حصول تطوّر إيجابي واضح في هذه الملفات مردّه الى التشابك الحاصل بين دول عالمية كبرى واُخرى إقليمية، وعدم وضوح رؤية اميركيّة حتى الساعة ليتمكن الباقون من البناء على الشيء مقتضاه.

اما في الملف اللبناني فكان واضحا قبل انعقاد القمة ان لبنان سيحظى بدعم زعماء الدول العربية ومساعدته للحفاظ على أمنه واستقراره، وقد أتى خطاب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ترجمة لهذا التوجه، حيث لم يتضمّن أي غمز او إشارة مباشرة لا الى الملف السوري ولا الى العلاقات مع إيران، بل كان بمثابة وضع النقاط على الحروف حول أزمات يجب ان تعالجها الدول العربية قبل فوات الاوان.

اما المفاجأة التي حصلت في القمة أقلّه على الصعيد اللبناني هي سفر رئيس الحكومة ​سعد الحريري​ على نفس الطائرة مع العاهل السعودي الى الرياض حيث استقل الحريري الطوافة العسكرية التي نقلت الملك سلمان من مقر إقامته في البحر الميت الى المطار.

ورأت المصادر نفسها ان هذه الخطوة لا بد وان تكون قد أزعجت بعض أصدقاء الحريري قبل خصومه، وتؤكد في الوقت نفسه ان رئيس الحكومة لا يزال الشخصية السياسية شبه الوحيدة التي تعتمد عليها المملكة في لبنان.

ولفتت المصادر الى انه مهما تنوّعت تعليقات بعض القوى السياسية اللبنانية على هذا الامر، فإنّ الثابت هو ان هذه هي الصيغة الّتي سيتم اعتمادها لإعادة تثبيت الحريري كزعيم سنيّ معتدل في لبنان، مشيرة الى انه وبالرغم من ان استقبال الحريري تخطّى استقباله كرئيس للحكومة في السعوديّة والترحيب الّذي حظي به من قبل جميع كبار المسؤولين وفي مقدمهم ولي العهد الامير محمد بن نايف وولي ولي العهد الامير احمد بن سلمان، لا يزال ينتظر الإخراج الذي سيعزز رئيس الحكومة سياسيا مع كل ما يستلزم ذلك من إجراءات أخرى وفي مقدمها الوضع المالي المأزوم الّذي يواجهه.