في كل مرةٍ يكونُ لبنان فيها مدعواً إلى مؤتمرٍ دولي أو قمة دولية أو عربية، تُطرح عدة أسئلة حول الموقف الرسمي، الذي سيتخذه من القضايا، التي تكون مطروحة في هذا المؤتمر أو هذه القمة، ومن الأسئلة التي تُطرَح:

هل سيتسبب موقفهُ في أزمةٍ داخلية؟

هل الموقف سيكون واحداً بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة؟

في الماضي حصلت بعض السوابق، فكانت هذه السوابق مبعث خوفٍ من أن تتكرر.

إستحقاقُ القمة العربية في الأردن طرح هذه المخاوف، فكانت كل خطوةٍ تحت المجهر:

هل سيرافق رئيس الحكومة رئيس الجمهورية؟

ماذا ستتضمن كلمة رئيس الجمهورية؟

ماذا سيكونُ عليه الموقفُ اللبناني من القضايا الخلافية بين الدول العربية؟

ماذا عن المحاور في المنطقة حيال بعض دولها غير العربية؟

هذه التساؤلات شكَّلت هواجسَ متعددة، لكنها تبددت تباعاً، شكلاً ومضموناً:

في الشكلِ، لاقى جلوس الرئيسين عون والحريري معاً في الطائرة، ارتياحَ المتابعين.

في المضمونِ، لاقت كلمة رئيس الجمهورية في القمة اهتماماً، سواء من القادة المشاركين أو في الداخل اللبناني. خاطب الرئيس القمة بالوجدان، فسأل:

من ربح الحرب ومن خسر الحرب؟

الجميعُ خاسرون... وجميعنا معنيون بما يحصل، ولا يمكن أنْ نبقى في انتظار الحلولِ تأتينا من الخارج.

وفي صيغة تُحرِج الجميع وتتفلت من أي انتقاد، استعان الرئيس عون بميثاقِ جامعة الدول العربية ليقول:

هذا الميثاقُ يقينا شر الحروب في ما بيننا ويحصّن سيادتنا واستقلالنا، وهو يفرضُ على كل دولة أنْ تحترم نظام الحكم القائم في الدول الأخرى، وتعتبره حقاً من حقوقها وتتعهد ألا تقوم بأي عملٍ يرمي إلى تغييره.

يصلُ الرئيس عون إلى بيت القصيدِ في ما يخص الألم اللبناني، فيثير مسألة النازحين، لافتاً إلى أنَّ لبنان يستضيف اليوم، من سوريين وفلسطينيين، ما يوازي نصفَ عدد سكانه، والأرقامُ إلى ارتفاع، مذكراً بأنَّ لبنانَ هو بلد هجرة وليس بلدُ استيطان، خصوصاً ان أرضه ضيقة ومواردهُ قليلة.

ويطرح العماد عون ما يتحاشى كثيرون طروحه، وهو العودة الآمنة للنازحين إلى ديارهم.

مرَّ شكلُ الرحلة من بيروت إلى عمّان بأحسن ما يكون من تناغمٍ بين الرئيسين، ومرَّت كلمة لبنان في القمة بأحسنِ ما يكون من تفهُّم وارتياح.

وذروة المفاجأة، بالنسبة إلى البعض، وليس بالنسبة إلى المعنيين، كانت في مغادرةِ رئيس الحكومة سعد الحريري مع الملك السعودي ​سلمان بن عبد العزيز​ إلى الرياض في الطائرة الملكية. هذا الحدثُ قطع الشكَ باليقين حول متانة علاقة الرئيس الحريري بالمملكة، وقطع التشكيكَ باليقين أيضاً، حول ما بثَّ من إشاعات مسيئة للرئيس الحريري وللمملكة في آن، فألسِنةُ السوء ماذا ستقول بعد هذا الإحتضان من المملكة للرئيس الحريري؟

بهذا المعنى، فإنَّ مشاركةَ لبنان في القمة كانت للملمة جراح لبنان.