منذ ان خاض الرئيس الاميركي ​دونالد ترامب​ حملته الانتخابية في وجه المرشحة الديمقراطية ​هيلاري كلينتون​، لاحقه شبح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وثقل العلاقة الشخصية الذي تربطه به، وهو ما ادى الى قلق لدى العديد من الاميركيين. حاول ترامب منذ وصوله الى الرئاسة، ان يبعد نفسه عن هذه المشكلة التي يعرف تماماً مدى حساسيتها بالنسبة الى الشعب الاميركي، والاهم، بالنسبة الى القوات المسلّحة التي لم تستوعب بعد على ما يبدو وجوب اعتبار القوات العسكرية الروسية بمثابة "اصدقاء".

تساءل الكثيرون لماذا لم يلتقِ ترامب-بوتين بعد، وتعددت الدوافع التي شرحت ذلك، ومنهم من اعتبر انها محاولة من الرئيس الاميركي لتهدئة الاوضاع ريثما يتقبل الاميركيون اكثر فأكثر محاولات التقارب، فيما اعتبر البعض الآخر انه يعود الى اختلاف في وجهات النظر بين اميركا وروسيا حول عدد من الملفات وفي مقدمها الملف الايراني والوضع في الشرق الاوسط.

وبين هذا وذاك، كان هناك أمر آخر لم تركّز عليه وسائل الاعلام، ولكنه رئيسي لا يمكن اغفاله او عدم اخذه بالاعتبار، ويتعلق بالجيش الاميركي ورغبته في ان يؤكد تفوقه قبل حصول اي لقاء على صعيد القمة، والجميع يذكر ما تردد عن ان الضربة العسكرية التي تعرض لها الروس في سوريا اتت بقرار للجيش الاميركي على عكس نصائح الخارجية (ولو ان الامر لم يتم اثباته). هذا الكلام عبّر عنه صراحة السيناتور الاميركي (رئيس لجنة الدفاع في مجلس الشيوخ) والمرشح السابق للانتخابات ​جون ماكين​، حين نصح ترامب بتعزيز القوات الاميركية وخصوصاً منها الجوية قبل اي لقاء يجمعه ببوتين. وقد يكون ترامب قد استمع بالفعل الى هذه النصيحة، وهو يحاول تهدئة خواطر الجيش قبل عقد لقاء مع الرئيس الروسي، ولذلك كان موقف لترامب الشهر الفائت حول عزمه التقدم بطلب لتوفير ميزانية ضخمة وتأمين اكبر تعزيز لقدرات الجيش في تاريخ الولايات المتحدة. وكان لوقع هذا الكلام الصدى الايجابي في المؤسسة العسكرية الاميركية، وربما يشكل ذلك "سلفة" يقدمها ترامب للطمأنة بأن لقاءه وبوتين لن يكون على حساب تأمين الاسلحة والتجهيزات اللازمة للقوات الاميركية.

ولكن، ما يسهل امور ترامب قد يعقّد امور بوتين، فتعزيز الجيش الاميركي وجعله اقوى من الجيش الروسي ليس في فكر سيد روسيا، ويمكن القول انه يناقض هذا التوجه بشكل جذري، لان بوتين يملك مخطط امتداد الانتشار للنفوذ الروسي لاكبر رقعة ممكنة، وهو لعب ورقة سوريا في هذا المجال حيث اصبح ثابتاً ان القوات الروسية ستتواجد بشكل دائم فيها وقد تنطلق من هناك الى دول اخرى في المنطقة. والقلق الروسي نابع ايضاً من ان تعمد اوروبا الى "الاستقواء" بالجيش الاميركي، علماً ان معضلة "الدرع الصاروخي الاميركي" لا تزال جاثمة على قلب الروس ويحاولون بشتى الطرق القضاء عليها او على الاقل تأخير نشر هذا النظام لاطول وقت ممكن، اعتماداً على سياسة "الجزرة والعصا" اي بالتهديد حيناً وبالكلام السياسي احياناً.

واياً يكن الموقف، فليس من المنصف القول ان بوتين يتحكم بترامب، وبالتالي فإن رغبة الثاني صادقة في التفوق العسكري الاميركي على الجميع بمن فيهم روسيا، كما انه يحلم طبعاً في ان يمتد هذا التفوق الى ابعد من الكرة الارضية اي الى الفضاء لتبقى لبلاده الكلمة الفصل في اي نزاع عالمي قد ينشأ.

لن تكون العلاقة الشخصية بين ترامب وبوتين على المحك، ولكن العلاقة بين اميركا وروسيا ستبقى عرضة للاخذ والرد والنقاش، لان ما راكمه المسؤولون في البلدين على مدى قرون من الزمن، لا يمكن تخطيه في سنوات قليلة، فالحذر لا يزال قائماً، والرغبة في السيطرة والنفوذ العالمي لا شك انها موجودة لدى الطرفين، وبالتالي يجب على لقاء القمة الاميركية-الروسية الانتظار بعض الوقت.