قبل ان تنعقد القمة العربية الاخيرة في الاردن، حبس مؤيدو الرئيس اللبناني العماد ميشال عون انفاسهم، وامتعض مؤيدو رئيس الحكومة ​سعد الحريري​ والسبب رسالة أُطلق عليها اسم رسالة "الرؤساء الخمسة" وجّهت الى رئاسة القمة لنشرها على الاعضاء، والاخذ بها. وعشية انعقاد القمة، زادت نسبة القلق ولكن سرعان ما تبددت الغيوم مع انعقاد القمة وخلالها الى ان انتهت بعد ان ارتاح مؤيدو عون والحريري الى ان الرسالة لم تلق آذاناً صاغية في الاردن، وذهب البعض الى حد القول ان احداً لم يقرأها من القادة العرب، فلماذا تم اغفال هذه الرسالة؟.

في الواقع، قرأ موقّعو الرسالة الجو العام للاوضاع في المنطقة بشكل خاطىء، وبغضّ النظر عن الاسباب الداخلية التي دفعت بهم الى الوقوع في هذا الخطأ، فإن اسباباً اقليمية وواقعية ادت الى النتيجة التي باتت معروفة. في المبدأ، وعلى الرغم مما تم ترويجه عن "زعل" عربي من موقف رئيس الجمهورية تجاه حزب الله وعدم رد الحريري عليه، فإن الغطاء الاقليمي-الدولي (السياسي والامني) لا يزال حاضراً وبقوة، ناهيك عن ان القراءة الدولية للواقع في المنطقة وبالاخص الوضع في سوريا، لم يعد كما كان، ولعل الدليل الابرز اتى من البيت الابيض الذي اطلق منذ يومين موقفاً صادماً للبعض تناول مصير الرئيس السوري الحالي بشار الاسد.

لم يكن العرب في معرض السير في عكس التيار الاقليمي والدولي، فيما كان لبنان محط الانظار في القمّة بعد غياب رئيس الجمهورية عنها لسنتين، فكان حضور عون بارزاً واستقطب ترحيباً مهماً حرص الجميع على اظهاره، بما فيها دول الخليج (جدد امير الكويت الدعوة للرئيس اللبناني لزيارة بلاده). ولم يغب عن بال العرب والخليجيين خصوصاً، ان اي انشقاق سياسي بين عون والحريري او بينهما من جهة والاطراف الاخرى سيتحملون هم مسؤوليته وسيُسألون عنه امام الدول المعنية بالتسوية في المنطقة، وفي مقدمها طبعاً الولايات المتحدة وروسيا. من هنا، فاجأت السعودية الجميع بفتح الابواب على مصراعيها امام الحريري، فانتقل مع الملك السعودية على متن طائرة هليكوبتر من القمة الى السعودية، فيما استقبله ولي ولي العهد للمرة الاولى بعد ان حاول رئيس الحكومة مراراً وتكراراً الحصول على موعد دون ان يفلح. وارادت الرياض بذلك افهام المعنيين في لبنان انها لن تغرد خارج السرب العربي هذه المرة، ولن تقود حركة تمرد تعلم سلفاً انها ستبوء بالفشل، وستهزّ نفوذها وموقعها في لبنان.

العنصر الثاني الذي شجع العرب على عدم الاهتمام برسالة "الرؤساء الخمسة"، هو انها ولدت ميتة في لبنان. فعلى الرغم من حرص الموقعين عليها اعطاءها الطابع المسيحي- الاسلامي، الا انها تعرضت لاطلاق نار من زعماء الطوائف اللبنانية، فسقطت عنها صفة الشمولية الطائفية، كما سقطت عنها صفة الشمولية الشعبية، فبقيت تعبّر فقط عن موقف خمسة اشخاص تحملوا في السابق المسؤولية لكنهم لم يفلحوا في ترك بصمات مهمة في مسيرتهم. وبالتالي، لم يكن العرب في وارد التخلي عن التفاهم الذي اخاطوه بعنايتهم وادى الى خروج لبنان من الرمال التي وقع فيها منذ اشهر، كي يعيدوا الوضع الى ما كان عليه.

وربما كان الاجدى بالموقعين على الرسالة، ورغم حماسة بعضهم في العودة الى الساحة من بوابة المواقف السياسية والى ساحة الاستحقاق النيابي من الباب الشعبي، ان يتعظوا من رئيس الحزب التقدّمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط الذي بقي خارج هذه الرسالة ولم يتطرق اليها لا من قريب ولا من بعيد، وربما كانوا عندها قد جنّبوا انفسهم الاحراج العلني الذي وضعوا فيه حالياً، لانه اذا لم يعد لدى الرئيس السابق ميشال سليمان ما يخسره، ويعاني النائب فؤاد السنيورة من مرارة العودة الحريرية، فإن الرئيس السابق امين الجميل والنائبين تمام سلام ونجيب ميقاتي كانوا لا يزالون يحتفظون بـ"ماء الوجه" حتى الامس القريب، وبات عليهم اليوم البحث عن طريق العودة الى الساحة السياسية العلنية دون احراج.