شهدت بداية الاسبوع حدثين يتعلقان بقوات الطوارىء الدولية في الجنوب "​اليونيفيل​": الاول كان زيارة وزيرة الدفاع الايطالية الى قيادة هذه القوات في لبنان، والثاني كان تأكيد الرئيس الفرنسي ​فرنسوا هولاند​ لرئيس الحكومة ​سعد الحريري​ في الاليزيه، ان فرنسا ثابتة على دعمها للبنان وعلى التزامها بحصتها من القوات الدولية الموجودة فيه.

ولكن، ماذا تنفع هذه الوحدة الدولية في لبنان، وتحديداً في الجنوب، وهل هناك من فائدة عملية لوجودها؟. لا يمكن نقض ما هو واضح ومعروف ومنطقي، والـ"يونيفيل" ليست مجهزة للتعاطي الميداني مع القوات الاسرائيلية او حزب الله، بمعنى انها لن تدخل في مواجهة عسكرية مع اي منهما، وبالتالي ستراقب الاسرائيليين في حال اجتازوا الحدود اللبنانية، وستراقب الحزب اذا ما قام بالمثل. ولكن قيمة القوات الدولية معنوية ولوجستية بطبيعة الحال، فهي تمثل قراراً دولياً ومرجعية دولية، وليس من السهل التعرض لها الا بغطاء دولي (كما حصل في حرب اسرائيل على لبنان عام 2006، حين قصف الاسرائيليون مركزاً دولياً غير عابئين بالنتائج المترتبة عليه، وقبله في قانا، وفي مناسبات اخرى...)، اذ ان الشكل لا يزال يؤثر على المنطق العام لسير الامور. فمن حيث الشكل، ستنتفض الدول لادانة من كان سبب الاعتداء، وسيواجه بسيل من المواقف القاسية والتي قد تصل (اذا لزم الامر الى حد التدخل العسكري)، او الى زعزعة الاستقرار السياسي للبلد المعني عبر زرع الخلافات في مكوناته وبين الشرائح الاجتماعية التي يتألف منها.

اما الفائدة الاهم التي يمكن ملاحظتها، فهي قدرة "اليونيفيل" على نزع فتيل الخلافات الصغيرة بين لبنان واسرائيل عبر كونها وسيلة للحديث غير المباشر بينهما، وهمزة الوصل هذه مفيدة في الكثير من الحالات التي ربما كانت لتتطور بشكل سلبي لو لم تتم معالجتها في حينه. وبالتالي، فإن الافادة غير العملية والميدانية للتواجد الدولي في لبنان هي التي تساعده على اتمام وتيرة الحياة اليومية فيه، وان يحظى بغطاء خارجي داعم له، على عكس ما يحصل في الدول الافريقية مثلاً. وتدرك الامم المتحدة تماماً بأن قدرتها على التدخل العسكري في لبنان تساوي حظوظ ابليس في الجنة، وتعلم ان اي خطوة من هذا القبيل سترتد عليها سلباً وستتسبب بخسائر كبيرة لا قدرة لها على احتمالها، ولا حاجة لها في الاصل. وعليه، فإن الحل الوحيد المتوافر لتواجد دولي على ارض لبنانية هو عبر "اليونيفيل" ومهامها غير العسكرية، بحيث تضمن بقاء الدول (وخصوصاً منها الكبرى) في لبنان و"الاهتمام" بأوضاعه على الصعد كافة (السياسية والعسكرية والاجتماعية والاقتصادية) لانها تكفل الاهتمام بأوضاع العسكريين الذين يخدمون في قوات الطوارىء الدولية وينتمون الى بلدان عدة، ويكون هذا التدخل بشكل شبه دائم، لان لبنان اعتاد منذ عقود من الزمن على وجود "اليونيفيل" في الجنوب، وسيبقى، وفق ما هو ظاهر، معتاداً على هذا الامر لعقود قادمة طالما ان لا رغبة في انهاء الاوضاع فيما خص القضية العربية والصراع العربي-الاسرائيلي في المدى المنظور.

لا يشكل وجود القوات الدولية على الحدود اللبنانية لعنة، كما انه ليس نعيماً ايضاً، ولكنه ضروري ليساعد لبنان على الاستمرار في التعاطي مع التحديات المفروضة عليه بشكل يومي، دون القلق من اي حوادث او اشكالات قد تتطور الى ما لا تحمد عقباه فيتحول الاهتمام الى مكان آخر، وتنطلق الشرارة ربما الى دول اخرى، في وقت يرغب الجميع في اطفاء النار المندلعة منذ سنوات في الشرق الاوسط وباتوا لا يعرفون كيفية القيام بذلك.

اعتدنا على التعايش مع "اليونيفيل"، وسيعتاد اولادنا في الآتي من الايام الاعتياد على التعايش معها، وقد تكون الثابتة الوحيدة الباقية في متغيرات المنطقة المتسارعة.