منذ إنطلاق عمليات التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب في سوريا والعراق، طرحت الأسئلة حول مستقبل المنطقة السياسي بعد الإنتهاء من المعارك ضد تنظيم "داعش"، لا سيما في ظل تعدد وتضارب مشاريع اللاعبين الإقليميين والدوليين، لكن كان هناك من يفضل تأجيل النقاش في هذا الموضوع بعض الوقت، نظراً إلى أن الوقائع الميدانية هي التي ستفرض نفسها على طاولة المفاوضات.

إنطلاقاً من ذلك، كان الإعلان عن عملية تحرير الموصل في البداية من دون وجود أي تفاهم حول مصير المناطق التي يسيطر عليها "داعش"، بينما كانت تلوح في الأفق أزمة بين الحكومة المركزية في بغداد وإقليم كردستان، بالتزامن مع أخرى بين الجانب الأول والحكومة التركية التي كانت ترغب بحجز موقع لها في المعادلة، إلا أنه مع إقتراب تحرير الموصل تفجرت أزمة محافظة كركوك.

في هذا السياق، توضح مصادر مطلعة، عبر "النشرة"، أن كركوك هي من الأراضي المتنازع عليها بين أربيل وبغداد منذ سنوات طويلة، لكن في ظل "معمعة" الحرب على الإرهاب أصبحت تحت سيطرة قوات "البشمركة" التابعة لإقليم كردستان، وتشير إلى أنه في الآونة الأخيرة تم رفع علم كرستان فوق المحافظة الأمر الذي تم رفضه من جانب البرلمان العراقي، لكن الأحزاب الكردية مضت بإجراءات الاستفتاء على انفصال الإقليم، فيما دعا محافظ كركوك نجم الدين كريم إلى إجراء استفتاء آخر يجري من خلاله تقرير مصير محافظة كركوك.

بناء على هذه الوقائع، تلفت المصادر إلى أن هناك أزمتين من الناحية العملية: الأولى متعلقة بذهاب الأحزاب الكردية إلى خيار الإنفصال، بينما الثانية متعلقة بمصير محافظة كركوك، وترى أن معادلة الأرض لمن يحررها ستكون هي الطاغية على الساحة، مع العلم أن هذه التحولات ربما تقود إلى إنفجار مواجهات جديدة بين حلفاء الأمس في الحرب على "داعش"، لا سيما أن القوى الإقليمية الفاعلة، تركيا وإيران بالتحديد، لن توافق على مثل هذا الأمر بأي شكل من الأشكال.

من وجهة نظر هذه المصادر، هذا الواقع من المرجح أن ينتقل إلى الساحة السورية في وقت قريب، خصوصاً بعد أن شهد ميدان عمليات قوات "سوريا الديمقراطية" ذات الأغلبية الكردية توسعاً ملحوظاً، وتلفت إلى أن كل منطقة جديدة يتم تحريرها من التنظيم الإرهابي يتم الإعلان عن أنها ستدخل ضمن الفيدرالية المعلن عنها، وتضيف: "هذا ما يتم الحديث عنه بالنسبة إلى الرقة وغيرها من المدن السورية".

على هذا الصعيد، لم تتردد وزارة الخارجية الإيرانية، على لسان المتحدث باسمها بهرام قاسمي، بالتأكيد أن رفع علم الإقليم الكردي على المباني الحكومية في كركوك يعدّ انتهاكاً للدستور والقوانين العراقية، في حين كان رئيس الوزراء العراقي بن علي يلدريم قد أعلن الوقوف إلى جانب بغداد، وكرر الموقف الإيراني نفسه من الخطوة، بينما رأى السفير الأميركي في بغداد دوغلاس سيليمان أن الخطوة "تشتيتاً للانتباه عن تنظيم داعش"، معتبراً أن "مواضيع الاستفتاء ورفع علم الإقليم يجب أن يكون التباحث فيها ضمن الدستور العراقي".

في الإطار نفسه، تؤكد المصادر المطلعة أن كركوك لن تكون إلا البداية في مسار طويل من الصراعات التي يراد لها أن تسيطر على المنطقة بشكل عام، وتشير إلى أنه تحت عنوان الحرب على الإرهاب يتم إعادة تقسيم المنطقة على مستوى السيطرة العسكرية، الأمر الذي سيكون مقدمة نحو مشاريع أخرى على المستوى السياسي، وتضيف: "هذا ما يُشجع إقليم كردستان على طرح الإستفتاء على خيار الإنفصال".

من وجهة نظر هذه المصادر، نموذج هذا الإقليم الكردي في العراق يراد له أن يعمم في سوريا، من خلال المشروع الفيدرالي الذي تم الإعلان عنه أيضاً، وربما ينتقل لاحقاً إلى تركيا أو إيران، وتشير إلى إلى أنه في العراق سيعود الحديث قريباً عن تحويل محافظة نينوى إلى إقليم، في حين أنه في سوريا لم تظهر بعد معالم الأقاليم الأخرى التي ستكون مشابهة للإقليم الكردي الذي يتوسع بدعم من ​الولايات المتحدة​.

في المحصلة، بدأت تظهر بشكل واضح معالم المشروع السياسي الذي يراد له أن يطبق في المنطقة، في المستقبل القريب، على أنقاض تنظيم "داعش" الإرهابي.