ليست المرّة الأولى التي توحي فيها الأجواء السياسية ببرودةٍ أو توتّرٍ على خط الرابية-حارة حريك، إلا أنّ تحالف "حزب الله" و"التيار الوطني الحر" كان يثبت دومًا أنّه عصيٌ على كلّ "المؤامرات"، وأنّه متينٌ لدرجة أنّ العواصف مهما اشتدّت لا تقوى عليه.

رغم ذلك، لا يمكن للمرء إلا أن يلاحظ أنّ خللاً ما يعترض الحليفين الأقرب ربما في تاريخ لبنان الحديث، خصوصًا عندما يتحوّل التباين بينهما حول ​قانون الانتخاب​ إلى "قضية رأي عام" يساهمان شخصيًا في صناعتها، أحياناً بشكلٍ مباشر، وفي الغالب بشكلٍ غير مباشر...

استفهام واستغراب...

القصّة ليست قصّة شائعات إذاً، ولا "قلوب مليانة" بطبيعة الحال، باعتبار أنّ طبيعة العلاقة بين "حزب الله" و"التيار الوطني الحر" لا توحي سوى بالعكس، هي التي لا يخفى على أحد حرص جناحيها على الحفاظ عليها، ليس في الوقت الحاضر فحسب، بل إلى "يوم القيامة" كما قال يومًا الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله، في دلالةٍ لا تحتاج إلى توضيح على أهمّيتها للجانبين في السياسة، وما بعد السياسة.

لكن، وفي مقابل هذا المبدأ غير المختلَف عليه، بدأ الاختلاف بين الجانبين حول قانون الانتخاب يتطوّر خلال الأيام القليلة الماضية، ليولّد علامات استفهامٍ واستغرابٍ بالجملة من جانب كلّ فريق بوجه حليفه، بعد فترةٍ طويلةٍ نسبيًا حرصا فيها على رمي الكرة في ملعب الآخرين، والقول أنّهما متّحِدان قلباً وقالباً في موضوع قانون الانتخاب بالتحديد، وعلى مبدأ النسبيّة ضمنه على وجه الخصوص.

وفي هذا السياق، لا يدلّ صمت "حزب الله" على مشروع القانون الأخير الذي تقدّم به رئيس "التيار الوطني الحر" وزير الخارجية ​جبران باسيل​ سوى على امتعاض وازعاج، أو "عدم رضا" في أحسن الأحوال. وكان لافتاً في هذا السياق اكتفاء قياديّي ومسؤولي الحزب، رغم كثافة إطلالاتهم الخطابيّة، على الحديث في العموميّات الانتخابيّة، من دون التصويب على "قانون باسيل" بشكلٍ مباشر، تفاديًا ربما لما لا تُحمَد عقباه بين الجانبين.

وإذا كانت تحفظات الحزب على هذا القانون باتت واضحة وشبه مُعلَنة، سواء لجهة رفضه لاستهداف رئيس "تيار المردة" النائب سليمان فرنجية من خلال تقسيمات الشمال، أو لجهة تفريغ النسبية من مضمونها خصوصاً من خلال تقييد الصوت التفضيلي وحصره بالقضاء، فإنّ أكثر ما أزعج الحزب كان إصرار مسؤولي "التيار" على القول بأنّ جواب "حزب الله" لم يردهم بعد، وصولاً حتى تحديد مواعيد ومهل لمثل هذا الجواب، مع التلميح بأنّ الأفرقاء الآخرين تلقّفوا القانون إيجاباً.

أبعد من القانون...

انطلاقاً ممّا سبق، قد يكون من الممكن القول أنّ "قانون باسيل" هو الذي فخّخ العلاقة بين "التيار الوطني الحر" و"حزب الله"، باعتبار أنّ هذا المشروع الانتخابي، الذي يتمسّك به الأول حتى النفس الأخير ربما، لا يلبّي مطالبة الثاني باعتماد النسبية الكاملة، بل يذهب لحدّ إقصاء عددٍ غير يسير من حلفائه، وإن كان يريحه على الصعيد الشخصيّ.

إلا أنّ الملاحظات المتبادَلة بين "الحزب" و"التيار" لا تقف عند حدود القانون الأخير الذي طرحه باسيل، بل تنطلق من جملة القوانين التي طرحها، والتي لم يرَ الحزب فيها أيّ "انسجامٍ" مع ما سبق أن اتفقا عليه لجهة اعتماد النسبيّة، بل مع ما اتفق عليه "التيار" نفسه مع القوى التي اجتمع معها في بكركي بعد العام 2012، حين تمّ الاتفاق على اعتماد النسبية الكاملة في 15 دائرة.

وعلى الرغم من أنّ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون يتمسّك بالنسبية في كلّ تصريحاته، إلا أنّ مواقفه هذه لا تنعكس في "ممارسات" الوزير باسيل العمليّة، الأمر الذي يطرح بدوره في قواعد "الحزب" علامات استفهام عن "التكامل المفترض" بين الرئيس عون والوزير باسيل، خصوصًا أنّ الرئيس يفترض أن يستند إلى كتلةٍ نيابيةٍ تشكّل أداة عمله التنفيذية، لتقوّي دوره فعليًا، بدل أن يتمّ الفصل بين الاثنين كما يحصل اليوم.

أما التلويح بالفراغ والحديث عن إحالة مشاريع القوانين الانتخابية على التصويت، فلا يحتاج لعناءٍ كثير لإدراك عدم تحبيذ "الحزب" له، ليس فقط لأنّ حليفه رئيس المجلس النيابي نبيه بري لا يستيسغه، بل لأنّ من شأنه أن يدفع نحو صيغة "غالب ومغلوب"، التي يدرك "العهد" أنّها لن تكون في صالحه.

مستلزمات المعركة...

لكن، وبعيدًا عن ملاحظات الحزب وتحفّظاته، لا شكّ أيضًا أنّ لدى "التيار" اعتباراته وحساباته التي تجعل التباعد بين الجانبين من "مستلزمات المعركة"، من دون أن يؤدّي إلى فكّ التحالف الاستراتيجي فيما بينهما.

وفي هذا السياق، لا يختلف اثنان على أنّ التحالفات التي أرساها "التيار" في المرحلة الأخيرة وخصوصًا مع "القوات اللبنانية" التي تربطه بها خصومة تاريخية، كان يهدف منها إلى تقوية وتعزيز مواقعه الانتخابيّة، وهو بالتالي يريد توظيفها والاستفادة منها في المعركة الانتخابية، للخروج منها "منتصراً" بكلّ ما للكلمة من معنى، وهو يرفض بالتالي تقديم "هدايا مجانية" لأحد، خصوصًا ممّن ناصبوه العداء، ولم يتلقّفوا "المبادرات" التي حاول إطلاقها في اتجاههم.

وأبعد من ذلك، لا يعتبر "التيار" أنّ النسبية الكاملة التي يطمح إليها "حزب الله"، والتي يتفق معه حولها في المبدأ، مناسِبة في هذه المرحلة، خصوصًا حين تكون "حقوق المسيحيين" عنوانه المطلبيّ الأول، ولا سيما بوجود "بروباغندا" بدأ يرتفع صداها بقوة في الأيام الأخيرة من أنّ مثل هذه النسبية ليست لصالح المسيحيين، بالنظر إلى التركيبة السكانية والديموغرافية "العددية" التي تميل لصالح المسلمين.

وبالتالي، فإنّ "التيار"، الذي لم يكن ينتظر من "الحزب" ربما أن يقف بجانبه في هذه المعركة كما فعل في كلّ الاستحقاقات السابقة، كان على الأقلّ يتوقّع منه أن يتفهّم "منطقه"، هو الذي يتطلع لتحقيق انتصارٍ انتخابيٍ يوظّفه العهد لصالحه في انطلاقته العملية الحقيقية بعد الانتخابات، التي ستفرز الكتلة النيابية والشعبية التي يعتبرها الرئيس عون فريق عمله الحقيقي، سواء من حيث الكمّ أو النوع.

اختلاف في "العقليّة"...

بين "مصلحة" الحزب بنسبيّةٍ تسمح بتمثيل حلفائه بالقدر المتاح وتمنع "احتكار" خصومه لطوائفهم، و"مصلحة" التيار في المقابل بقانونٍ يزيد حضوره ووهجه ويطيح بخصومه، تتباعد "الأولويات" التي تتحكّم باللعبة بين حليفين، لا يشكّ أحد بمدى قربهما من بعضهما البعض.

هو مجرّد اختلافٍ لن يوصل إلى "الطلاق" بين "حزب الله" و"التيار الوطني الحر". قد يكون ذلك صحيحاً، ولا جدال حوله أصلأً، إلا أنّه لا يخفي وجود اختلافٍ في "العقليّة" التي يتمّ من خلالها مقاربة ملفٍ بحجم قانون الانتخاب...