انتقل الرئيس الاميركي ​دونالد ترامب​ من ضفة الى أخرى في غضون ساعات قليلة، فيما خص الشأن السوري عامة ووضع الرئيس السوري بشار الاسد خاصة. وبعد الضجة التي اثارتها تصريحات ومواقف عدد من المسؤولين في الادارة الاميركية حول عدم وضع مصير الاسد في أولوية اهتمامات واشنطن حالياً، خرج ترامب بعد الاعتداء غير الانساني الذي تعرضت له ادلب للقول بأن نظرته الى الاسد تغيّرت و"ستشاهدون ماذا سنفعل".

في الواقع، لا يحتاج الامر الى الكثير من التحليل لمعرفة الخيارات المتاحة امام الرئيس الاميركي للتعامل مع هذا الواقع، فهو إمّا سيحاول الضغط سياسياً، واما سينفذ عمليات عسكرية محدودة ومحصورة ويساند اطراف المعارضة السورية لوجستياً ومدّهم بالاسلحة، او سيعمد الى ترك الامور على حالها لتمرير الوقت. لا شك ان لجوء الادارة الاميركية لأيّ من هذه الخيارات سيكون بعد الاخذ في الاعتبار المعطيات كافة، وسيجسد الصورة التي يرغب ترامب في اظهارها للاميركيين والعالم كأول قراراته الجدية في الشأن الدولي. ولكن، بمطلق الاحوال، لا يمكن تجاهل النقاط التالية التي تترتب على الخيار الاميركي، أياً يكن:

-التداعيات التي ستترتب على التدخل الاميركي، وموقف دول المنطقة وبالاخص ​روسيا​ و​ايران​ منه، وردة الفعل التي ستتبعه. فمن الناحية السياسية، اثبتت روسيا قدرتها على احباط كل المساعي الاميركية والاوروبية لادانة النظام السوري، كما اعلنت موسكو بشكل واضح ان عملياتها العسكرية في سوريا ستستمر بعد حادثة ادلب. وعلى الرغم من ان ايران دانت ما حصل، لكنها لم تغيّر موقفها ونظرتها للامور في سوريا، وبالتالي بقي الروس والايرانيون على المسار نفسه، وفي حال قررت اميركا التدخل وفق رؤيتها المختلفة، فسيحصل التصادم بشكل حتمي، اما على الجبهة السياسية او العسكرية، وفي الحالتين لن يكون الوضع سهلاً لواشنطن.

-في حال تمكنت الولايات المتحدة من تحقيق انتصار سياسي وخرق عسكري، وفي حال تم بطريقة ما، اقصاء الاسد عن منصبه، فماذا سيكون البديل؟، ستشهد سوريا فراغاً في السلطة طويل الامد على غرار ما شهده العراق، وما يرافق ذلك عادة من فوضى أمنيّة وعسكريّة وستتعرض القوات الاميركيّة وغيرها لعمليات عسكريّة ستلحق الخسائر الكبيرة بها، وستضع الادارة الاميركية الحاليّة في الموقف نفسه الذي وجدت نفسها ادارة جورج بوش الابن فيه. والفارق ان كل ذلك سيحصل في الفترة الاولى من ولاية ترامب، والتي يجدر بها ان تكون الأكثر قوة وثباتاً فيما ستتحول الى الفترة الاكثر حرجاً وصعوبة.

-لن يكون من السهل على الرئيس الاميركي اتخاذ قرار امني او عسكري في ظل البلبلة التي يعاني منها مجلس الامن القومي الخاص به. صحيح ان مغادرة المسؤول الاستراتيجي في المجلس ستيف بانون يعطي مستشار الامن القومي ماكماستر مساحة اكبر من الحرية لتمرير افكاره وآرائه، (كان بانون معارضاً لافكار ماكماستر، وكان يدعو للتحالف مع الاسد والرئيس الروسي للقضاء على "الارهاب الاسلامي الراديكالي")، ولكن هذا لا يعني ان الامور اصطلحت وان تقوية الذراع العسكري في المجلس سيجعل الامور تنتظم، وتدفع ترامب لاتخاذ القرار الصائب.

-قد يكون اعتماد حل الابقاء على الستاتيكو الحالي على ما هو عليه، واللجوء الى سياسة كسب الوقت، اقل الخسائر امام الادارة الاميركية، في ظل انشغال الاوروبيين بأوضاعهم (فرنسا والانتخابات الرئاسية، بريطانيا وتنفيذ قرار "البريكست"، المانيا والتعامل مع مشكلة اللاجئين...)، وعدم الانغماس الاميركي في الوحل السوري الميداني، في وقت يتواصل الشرخ الكبير داخل المعارضة السوريّة وهو امر لا يساعد على تعزيز الجبهة المناهضة للاسد، بل بالعكس يضعه في موقف اكثر راحة وقوة.

أمور كثيرة يجب على ترامب درسها قبل اتخاذ أي قرار بالنسبة الى الشان السوري، ولكن في مطلق الاحوال، ليس من المتوقع ان يؤدي اي موقف اميركي الى تغيير السيناريو الموضوع، وقد يعمد في اقسى الحالات الى تأخيره قليلاً ولكنه لن يوقفه، وهذا ما تراهن عليه روسيا في الدرجة الاولى.