تخطت الحكومة مطبّات عديدة مرت بها خلال الاشهر الاولى من عقد التعاون الذي جمع وزراءها ورئيسي الجمهورية والحكومة. راهن البعض على سقوط التفاهمات الوزارية عند كل مشكلة تعاملت معها الحكومة الجديدة، لكنهم فوجئوا بما اسماه البعض "شهر العسل" الحكومي، فبقيت الامور على حالها دون تغيير، واستمرت الاوضاع وفق السلاسة ذاتها التي بدأت منذ ان انعقد مجلس الوزراء للمرة الاولى في العهد الجديد.

اليوم، يمكن القول ان الاستحقاق النيابي سيكون الحدّ الفاصل بين قدرة الحكومة على الاستمرار بشكل عادي، ونجاح من يترقب سقوطها، او على الاقل، انقسامها بصورة دراماتيكية ستجعل الآتي من الايام مرحلة صراع سياسي و"كباش" اداري بينها ورئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب، لتتكرس مجدداً مقولة "انفصال السلطات" وليس "فصل السلطات" كما يجب ان يكون.

بوادر هذا الانشقاق واضحة المعالم، فالحبال التي يشدها كل حزب بالنسبة الى الشكل العام ل​قانون الانتخاب​، جعلت كل وزير يقف في جهة الطرف السياسي الذي ينتمي اليه، ولو انه سيكون في مواجهة زميل له كان بالامس يتفق واياه على قضايا ومشاريع عدة لاقرارها. وكل ما قيل في العلن عن اتفاقات وتطابق في وجهات النظر حول القانون الانتخابي الجديد، دحضته في السرّ افعال ومواقف الوزراء والنواب والاحزاب والتيارات السياسية. وحين مشى الجميع في دفن "قانون الستين"، بدا وكأنهم ينتظرون ان يبعث حياً من جديد لانقاذهم من حال الضياع والتخبط والقلق الذي يعيشونه بفعل الحسابات والتقسيمات التي لم تطمئن الى حصص كل من القوى السايسية الفاعلة على الساحة اللبنانية.

قوانين عدة تم طرحها، وها ان الحكومة قد دعت الى جلسة اليوم لقول كلمتها في هذا الشأن، الا ان السهام التي اصابتها في جلسات مجلس النواب، ابقتها دون درع في هذا المجال، ووضعتها في موقف حرج حيث ان الحلول امامها "احلاها مرّ". مصيبة اذا اتفقت الحكومة على قانون، لانها ستكون هدفاً للاطراف غير الراضين على قرارها والذين سيسعون بكل ما اوتوا من قوة واتصالات وتحالفات الى اسقاط القرار الحكومي في مجلس النواب.

اما المصيبة الاكبر فهي اذا لم تتبنَّ الحكومة قانوناً انتخابياً جديداً، فعندها ستكون في مرمى كل الاطراف داخلها وخارجها، من المؤيدين والمعارضين على حد سواء، كما انها ستكون في اشتباك مباشر مع رئيس الجمهورية الذي حدّد السقف الذي يقبل به لاجراء الانتخابات وهو قانون جديد لا يمت بصلة الى قانون الستّين، ويمنع التمديد للمجلس النيابي. ولن يكون مستغرباً عندها ان ينتهي "شهر العسل" الذي كان ساري المفعول حتى الآن، وربما قد يؤدي الامر الى الاعلان عن بدء نهاية عمر الحكومة وبداية البحث عن تشكيل حكومة اخرى، في مسعى لـ"التذاكي" على اللبنانيين عبر اعطائهم جرعة مخدر اضافية، فيضطرون الى انتظار المساعي الجديدة للتشكيل واعطاء المولود الجديد فرصة ليحقق الاهداف التي اعلن عنها.

وفي الواقع، سيكون هذا الحل، اذا ما تم اعتماده، بمثابة من يطلق النار على رجله، لان اي حكومة جديدة لن تتخطى العائق الذي وصلت اليه الحكومة الحالية، وشباك القانون الانتخابي جاهزة لاصطياد كل من سيحاول ان يقطعها. ان الحل الوحيد المطروح يبقى في اعتماد القانون الذي يحظى بتأييد الشريحة الاكبر من القوى السياسية، الا ان هذا الامر لا يعني بمطلق الاحوال ان اعتماد التصويت في مجلس الوزراء سيشكل المخرج المطلوب، بل سيتحوّل الى المتراس الاول على خطوط التماس السياسية، وسينقل المواجهة وبشكل اشرس الى مجلس النواب حيث سيتولى النواب "تصفية الحسابات".

ماذا ينتظر الحكومة في ما خص قانون الانتخاب وجلسات درسه وبحثه؟ من المنصف القول ان ما ستعيشه الحكومة سيكون أسبوع آلام انتخابي، ولكنه قد لا ينتهي بالقيامة الكبيرة المرجوّة والمنتظرة.