فيما يحبس اللبنانيون أنفاسهم بانتظار ولادة قانون انتخابي جديد، ستجري مناقشة عناوينه وتفاصليه في جلسة مجلس الوزراء في قصر بعبدا برئاسة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون اليوم، ويرضي كل القوى السياسية ويحقق التوازن الطائفي، بدأ اللاجئون الفلسطينيون في عين الحلوة يتنفسون الصعداء بعد بدء خطوة سياسية وعسكرية هامة، قد تؤسّس لمرحلة تغيير في معادلة المخيم الذي حكمته منذ عقود، وتقوم على اسقاط "الامن بالتراضي" ومعها "المربعات الامنية" المغلقة.

وعلى قاعدة "طفح الكيل" و"وجع ساعة ولا كل ساعة"، قررت القوى الوطنية والاسلامية في لبنان انهاء حالة الناشط الاسلامي ​بلال بدر​ ومجموعته بالكامل وتفكيك مربعه الأمني في "حي الطيرة" في المخيم بموقف موحد وحازم، في خطوة من شأنها ان تفتح الباب على مصراعيه امام مرحلة جديدة من الامن والاستقرار الذي ينشده ابناء المخيم منذ سنوات، بعد سلسلة من الاحداث الامنية المتنقلة وعمليات الاغتيال والاشتباكات التي تنعكس سلبا على مختلف وجوه حياتهم.

والقرار الفلسطيني الموحد، بإنهاء بدر، جاء نتيجة "غلطته القاتلة"، واصراره على تحدي كل الاجماع الفلسطيني بإنتشار "القوّة المشتركة" وتحديدا في مقر "الصاعقة" عند المدخل الفوقاني لسوق الخضار، وضربه بعرض الحائط كل "النصائح" و"المفاوضات" التي عقدت معه، وآخرها قبل يوم واحد من انتشارها في محاولة لاقناعه بعدم التعرض لها، فاطلقت مجموعته النار، ليدفع الثمن هذه المرة غاليا، وكأنه لم يفهم تمرير "الرسائل" له، بان هذه المرة تختلف عن سابقاتها ولن تمر مرور الكرام ودون عقاب، فاي معركة ستكون مع كافة القوى وليس مع حركة "فتح" وحدها، بل مع كل فتح"، كما جرت العادة سابقا او على الاقل بغطاء فيه اجماع حاسم، اعتقد بدر خاطئا انه بمجرد اطلاق النار على "القوة المشتركة"، فإن الجميع سيبادر الى التواصل معه لمنع تطور الامور، غير ان حسابه لم يتوافق مع بيدر الفصائل الفلسطينية التي ضاقت ذرعا بالتوتير الامني والاغتيالات والتهديدات والمربعات الامنية، فجاءت اولى خطواته قرارا بانهاء حالته سريعا، وعدم الاكتفاء بالادانة والصمت وتشكيل لجنة تحقيق ثم تسويف، بل بتنفيذ عملية إقتحام حي الطيرة لكسر مربعه الامني.

مبادرات وحسابات

لم يكتب لبعض "المساعي الحميدة" ولا "المبادرات" الحياة لانقاذ الموقف المأزوم الذي اوقع نفسه فيه، وطي صفحة الاعتداء الناري، وصفها البعض بانها ولدت ميتة او تأخر وقت طرحها، بعد اعتماد لغة النار، فحركة "فتح" التي ذاقت الويل والمرّ منه باغتيال بعض ضباطها وعناصرها، وجدت الفرصة الذهبية للاقتصاص وجعله يدفع فاتورة الحساب الطويلة، فاعلنت الاستنفار السياسي للحفاظ على الاجماع الفلسطيني ريثما تستطيع حسم المعركة عسكريا وان طالت بضعة ايام، مدعومة في الوقت نفسه من الجيش اللبناني والقوى السياسية الصيداوية، التي اكدت وقوفها خلف اي اجماع فلسطيني يحقق الامن والاستقرار في المخيم الذي يمثل عاصمة الشتات والجوار اللبناني، ويكون عبرة لغيره بأن من يجرؤ على خرق "الاجماع" و"الخطوط الحمراء"، وجر المخيم الى أجندة غير فلسطينية، سيلقى المصير نفسه في هذه المرحلة الدقيقة من تطورات لبنان وسوريا والمنطقة.

وفيما "القوى الاسلامية" وجدت الوقت المناسب لاحتوائه وافهامه انه لن يكون "ندا" لها او يوازيها كما حاول ان يفرض في شروطه الاخيرة اثناء التفاوض معه على الموافقة لنشر "القوة المشتركة" قريبا من مربعه الامني، دون ان يعني ذلك ضمنيا التخلي عنه بالمطلق ان استطاعت وعلى الاقل انقاذ حياته، وفي الوقت نفسه عدم كسر شوكة الاسلاميين لان القضاء عليه سياسيا وأمنيا وجسديا سيكون فاتحة، او يشجع على تكرار التجربة مع ناشطين اسلاميين آخرين عبر استقفادهم الواحد تلو الاخر وهذا ما لا تقبل به مهما كانت الاسباب، اعتبرت باقي القوى الفلسطينية انها فرصة لتوجيه رسالة الى الجانب اللبناني بان المخيم لن يكون ممرا او مستقرا او منطلقا لاي عمل امني ينعكس على الامن الوطني، وان القوى السياسية تبذل جهودا جدية للحفاظ على امن واستقرار المخيم، ناهيك عن استيعاب الاستياء والاعتراض الشعبي الذي علا في الاونة الاخيرة لغياب المعالجة الجذرية وتطالب بحلول حاسمة لفرض الامن ولو بالقوة.

ضغط النار

واكدت مصادر فلسطينية لـ"النشرة"، ان القرار السياسي بإنهاء حالة بدر، جاء تحت ضغط النار العسكري، اذ شنت حركة "فتح" ومعها "القوة المشتركة" التي تمثل كافة القوى الفلسطينية، هجوما على معقله في "حي الطيرة" من محورين، "بستان الطيار" شرقا و"حي الصحون" جنوبا، وبينهما زنار من النار غربا على امتداد الشارع الفوقاني، ما دفعه الى التراجع الى نقاط اخيرة لا يمكن له الصمود فيها كثيرا، ليفتح الباب على الخيارات الصعبة والمرة، القتال حتى الموت، او تسليم نفسه وسلاحه او القاء القبض او القضاء عليه، وبينهما التواري عن الانظار بعد معلومات تحدثت عن اصابته خلال الاشتباك الاخير.

ونقلت مصادر مسؤولة لـ"النشرة"، أن بدر حاول أكثر من مرة "التوسط" لدى "القوى الاسلامية" لوقف اطلاق النار مقابل قبوله بانتشار القوة الامنية المشتركة في منطقته كما كان مقررا لها في مقر "الصاعقة" في الشارع الفوقاني، لكنه اشترط ان يقتصر انتماء عناصرها على كل من "عصبة الانصار الاسلامية" والحركة الاسلامية المجاهدة و"حماس" والاّ يسلم نفسه او اي أحد من جماعته او ان يخرج بشكل آمن من المخيم، لكن حركة "فتح" رفضت هذا الاقتراح وطالبته بتسليم نفسه وسلاحه.

وأوضحت المصادر، انه جرى نقل اقتراح بدر، للقوى الاسلامية التي حملتها الى كل من رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المقاومة الشيخ ماهر حمود والامين العام للتنظيم الشعبي الناصري الدكتور اسامة سعد، وبدورهما عرضا الاقتراح على القيادة الفتحاوية العليا ممثلة بالمشرف العام على الساحة اللبنانية عزام الاحمد وعلى السفير الفلسطيني في لبنان اشرف دبور الذي كان موجودا بالاردن، وكان الرد جازما بالرفض لان "الاوان قد فات" وبأنه لا تراجع عن الحسم العسكري حتى القضاء على حالة بدر وتسليمه الى الجيش اللبناني، فبدأت الاشتباكات التي حصدت خمسة قتلى ونحو 33 جريحا، بينهم على الاقل خمسة من مجموعة بدر، واصابة اثنين منهما خطرة، اضافة الى اضرار مادية جسيمة بالممتلكات والمنازل والمحال والسيارات وشبكتي الكهرباء والمياه والهاتف الداخلي.

خارطة طريق

وسط الحسابات الفردية لكل طرف، رسمت قيادة الفصائل والقوى الوطنية والإسلامية الفلسطينية في لبنان، خارطة طريق" جماعية وموحدة للتعامل معه ومع مجموعته دون اي مساومة، تقوم على تفكيك حالته "الشاذة" وتسليم الذين أطلقوا النار على "القوة المشتركة" لحظة إنتشارها في المخيم الى الجهات الإمنية اللبنانية، وعدم السماح بإنشاء أية مربعات أمنية في المخيم واعتبار القوة المشتركة هي الجهة الوحيدة المولجة للحفاظ على الأمن والتصدي لكل العابثين بأمنه وأمن أهله، قبل ان تعطي مهلة له ولمجموعته لتسليم أنفسهم للقوة المشتركة خلال مدة أقصاها الساعة السادسة من مساء امس، وإلا سيبقى مطاردا بإعتباره مطلوبا.

هذه الخارطة ومطالبها التي حملها موفدان من "الشباب المسلم" سابقا، هما الشيخ اسامة الشهابي وهيثم الشعبي الى بدر نفسه، رد عليها بالموافقة على مغادرة حي الطيرة وعلى إنتشار القوة المشتركة بكافة عناصرها متنازلا عن شروطه السابقة، لكنه رفض في الوقت نفسه تسليم نفسه أو سلاحه، معلنا أنه سيتوارى عن الأنظار، فابلغ الموفدان "الشهابي والشعبي" ممثلي "القوى الاسلامية" وتحديدا "العصبة" و"الحركة المجاهدة" برده، التي بدورها نقلتها الى قيادة ​حركة فتح​" التي استمهلت دراسته للرد على الرد.

خلاصة وتساؤلات

خلاصة القول، وبانتظار اي من الردّين سيكون سيّد الموقف، تطرح تساؤلات عن مصير بدر، هل تقبل "فتح" بانصاف الحلول، وهل ينفذ بدر المطالب من طرف واحد ويتوارى ليقطع الطريق على انتصار "فتح"، ام تستمر المعركة لجولة حاسمة قد تظهر فيها مفاجأت غير متوقعة، بانتظار الايام القادمة لتجيب عن هذه التساؤلات؟.